سببت صفقة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، القاضية بضم زعيم حزب «يسرائيل بيتينو» (إسرائيل بيتنا)، أفيغدور ليبرمان، إلى الائتلاف الحاكم في إسرائيل، وتعيينه في منصب وزير الأمن، مفاجأة لهيئة الأركان العامة للجيش، كما قوبلت بحساسية بالغة في صفوف جنرالاته، وسط امتعاض عام، إلى حد وصفت فيه صحيفة «هآرتس» وزير الأمن الحالي، موشيه يعلون، بأنه «طُعن في الظهر».وبرغم الخلافات، التي نشأت بين القيادتين الأمنية والسياسة في إسرائيل مؤخراً، بسبب المواقف المتناقضة حول قضايا محورية، كان آخر فصولها جلسة «تأديب» يعالون في مكتب نتنياهو على ما اعتبر تجازواً خطيراً (راجع العدد ٢٨٨٧ في ١٧ أيار)، فقد وقع خبر انضمام ليبرمان إلى الحكومة كالصاعقة.
ما حدث دفع المحلل العسكري في «هآرتس»، عاموس هرئيل، إلى الاستعانة بالعقيدة العسكرية الأميركية (Shock and Awe) لإسقاطها وصفاً على تصرف نتنياهو، الذي فعل على ما يبدو حلّا ما بين الإستراتيجي والتكتيكي ليضمن البقاء في الحكم، فيما كان انعكاسه على أوساط هيئة الأركان العامة للجيش «الصدمة والرعب».
وفي وقت قريب، تسلم حقيبة الأمن في إسرائيل وزراء ذوو خلفية «مواطنية» أو «مدنية» تماماً، ولم يكن هؤلاء ذوي خبرة في الشؤون العسكرية كعمير بيرس، وموشيه آرنس، وكانت لكل واحد منهم نجاحاته وإخفاقاته. لكن ليبرمان ليس مدنياً معهوداً، لذلك فإن تبوؤه هذا المنصب سيكون له انعكاسات كبيرة على الجيش الإسرائيلي، على صعيد التعيينات أو حتى على العقيدة العسكرية القائمة.
حتى إذا ما قورن بأرئيل شارون، الذي استلم هذا المنصب عام 1981 واشتهرت ولايته بتسجيل قدر عالٍ من الخلافات والسجالات مع الضباط، فإن ليبرمان على ما يبدو سيحطم الرقم القياسي الذي وصل إليه شارون، علما بأن ليبرمان خدم لمدة قصيرة في الجيش.
فليبرمان، الذي يأتي في خانة الزعماء الأكثر عنصرية وتطرفاً في إسرائيل، وجه انتقادات حادة إلى أداء يعالون إبان العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة صيف 2014، عندما كان عضواً في المجلس الوزاري المصغر (الكابينيت) للحكومة السابقة. ومؤخراً ركزّ انتقاداته على سياسة هيئة الأركان العامة للجيش وتعاملها مع الهبة الفلسطينية، واصفاً إيها بالفاشلة، لذلك يرى هرئيل أن استلام ليبرمان لهذا المنصب مماثل لترؤس دونالد ترامب للولايات المتحدة!
ثمة سبب آخر يدعو إلى القلق، يتعلق بنظرة ليبرمان إلى الفلسطينيين، فقد طالب في آخر تصريحاته بإنزال عقوبة الإعدام ضد المتهمين بتنفيذ عمليات طعن، وعدم التردد في فتح النار في حال وجود عملية فدائية. كما وصف السلطة الفلسطينية، برئاسة محمود عباس، بأنها «تخلف سياسي»، واقترح تهديد رئيس حكومة «حماس» السابقة، إسماعيل هنية، بالقتل، في حال عدم إرجاع «جثث» الجنود الإسرائيليين في غزة.
إضافة إلى ذلك، هو بعيد كل البعد عن الخط الذي سار عليه قائد الأركان في عهد يعلون، بل عملت قيادة الجيش كـ«عنصر كابح»، وخصوصاً بتنسيقها الأمني مع رام الله، الذي لولاه، لكانت هناك عمليات فدائية أكثر، كما كانت ستنهار السلطة في الضفة.
المفاجأة أن صحيفة «يسرائيل هيوم» (إسرائيل اليوم)، الداعمة لمواقف نتنياهو وليبرمان على حد سواء، قالت إن «تعيين ليبرمان وزيراً للأمن خطأ فادح». ورأى المحلل العسكري دان مارغليت، في تقرير للصحيفة، أن نتنياهو وضع بين يدي ليبرمان أكثر جهاز حساس في الدولة، مضيفاً أن الأخير «يدرك ذلك القلق، لكنه يقول في نفسه طالما أنا من يُدير الدفة فلا يمكن أن تندلع حرب عشوائية». واستدرك مارغليت: «من يعرف تاريخ إسرائيل الأمني، يُدرك أن زعماء قبله قالوا شيئاً مماثلاً وفي النهاية أخطأوا جميعاً»، مشيراً إلى أنهم في الأوقات الحاسمة «لم يكونوا أصحاب السيطرة، ومن وكّلوه لاستخدام القوة قد ورطوا إسرائيل في مشكلات كبيرة دامت سنوات».
رأت الصحافة الإسرائيلية في التعيين الجديد خطراً على الأمن القومي


أيضاً، قال المحلل العسكري في صحيفة «يديعوت أحرنوت»، رون بن يشاي، إن نتنياهو «يُعرض الأمن القومي الإسرائيلي للخطر»، مضيفاً: «تعيين ليبرمان مكان يعالون خطوة عديمة المسؤولية يتخذها رئيس الحكومة، وهو أيضاً تصرف غير أخلاقي».
أمّا يعلون، في أول تعليق له على الموضوع، قال إنه «يوجد فقدان بوصلة أخلاقية في إسرائيل وهي مفهومة تلقائياً لدي». وأضاف: «لو تعين عليّ إعطاء نصيحة ذهبية، فعلى نتنياهو السير بموجب بوصلة وليس وفق اتجاه الريح»، ملمحاً إلى أن الأخير عيّن ليبرمان بسبب الأجواء السائدة في صفوف اليمين الإسرائيلي المتطرف.
وتابع قائلا: «الأغلبية العاقلة ليست في ذلك المكان، لكن الحجر في البرميل الفارغ يصدر ضجيجاً أعلى... وهذا الحجر لم يعد صغيراً»، منتقداً أداء نتنياهو الذي «يصرح وفق أهواء ناخبيه». كما تساءل عن مفهوم القيادة التي على ما يبدو بالنسبة إلى نتنياهو «تمر في طريق السجود للعجل الذهبي».
كذلك، رأت النائب عن «المعكسر الصهيوني» في الكنيست تسيبي ليفني، أن «التاريخ لن يغفر لنتنياهو الخطأ الذي تسبب به لإسرائيل».
من جهة أخرى، سيحدث انضمام ليبرمان إلى الائتلاف الحاكم وتبوّؤه منصب وزارة الأمن عاصفة في تركيبة الحكومة وسياساتها. ووفق مسؤول في حزب «الليكود»، ستجرى جولة جديدة وموسعة من التعيينات. ويفترض، وفق تقديرات، أن يمنح نتنياهو، وزارة الخارجية ليعلون، وهي الوزارة التي بقيت شاغرة حتى الآن، منذ تشكيل الحكومة في نهاية الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة.
أمّا حقيبة الهجرة، فسيتنازل عنها زئيف ألكين، مقابل تسلمه وزارة الاقتصاد (بصلاحيات محدودة)، في ظل أنه يتطلّع لاستلامها كل من وزير السياحة، يريف ليفين، المقرب جداً من نتنياهو ومسؤول المفاوضات مع «إسرائيل بيتنا»، إضافة إلى وزيرة التربية، ميري ريغيف، مما أشارت «هآرتس». كذلك يتوقع أن تُعيين عضو الكنيست أورلي ليفي أفيكسيس، رئيسة للجنة العمل والرّفاه.
وعلى صعيد القضاء والتشريع، يطالب ليبرمان، بسن قانون الإعدام، القاضي بمنح المحاكم العسكرية الإسرائيلية صلاحية تنفيذ إعدامات بحق فلسطينيين أدينوا، وفق القانون العسكري الإسرائيلي، بتنفيذ عمليات ضد إسرائيليين.
وبرغم معارضة نتنياهو السابقة لهذا القانون، فإن وزراء من حزب «الليكود» يبدون تأييداً لافتاً له، بل في صيغته المعدلة، التي يدفع ليبرمان بها، يمكن للمحكمة العسكرية تنفيذ حكم الإعدام بحق فلسطينيين، حتى إن اتخذ القرار بغالبية عادية من القضاة، وليس غالبية مطلقة.
أما بالنسبة إلى «المحكمة العليا» (أعلى هيئة قضائية في إسرائيل)، فيتعيّن على الائتلاف الحكومي الجديد والموسع، الإدلاء بصوتين، من بين تسعة أصوات، في لجنة تعيين القضاة، علما بأنه سيتقاعد في العام المقبل أربعة قضاة من هيئتها، المكونة من 15 قاضياً.
ويبرز تأثير الحكومة في اختيار القضاة، لكون المسؤول عن تعيينهم «لجنة الاختيار»، المكونة من ممثلين حكوميين، وممثلين عن الكنيست، وثلاثة قضاة من «العليا» وممثلين عن نقابة المحامين. ويجب من أجل اختيار قاضٍ للمحكمة العليا، توافر غالبية سبعة من تسعة أعضاء، ما يعني أن كل تغيير على تشكيلة الهيئة، من شأنه التأثير على القضاة الذين سيجري اختيارهم.
ثلث الإسرائيليين يؤيدون

أيّد 29% من الإسرائيليين تعيين أفيغدور ليبرمان لمنصب وزير الأمن، أكثر من الوزير الحالي، موشيه يعلون، وفقاً لاستطلاع نشره موقع «واللا». وهذه النسبة عالية كون ليبرمان لا يملك أي خبرة في الشؤون الأمنية والعسكرية، وخاصةً إذا ما قورنت بالنسبة التي حصل عليها يعلون.