وسط الاستعداد لعقد المؤتمر العاشر والتوجه أكثر نحو ما تسميه "حركة النهضة" بـ"التّونسة"، طرح رئيس الحركة، راشد الغنوشي، مبادرة للمصالحة الوطنية الشاملة، تشمل عدة مستويات. لكن المعارضة في تونس رفضتها، وحتى "شركاء الحكم" ينظرون إليها بعين الريبة.
يتمثل الإشكال بالنسبة لرافضي المبادرة، بكونها تبدو كصفقة بين الإسلاميين والدستوريين (نسبة الى الحزب الدستوري، حزب بورقيبة)، وخاصة أنها تتمحور من جهة حول مصالحة مع رجال الأعمال وموظفي الدولة السامين الذين خالفوا القوانين، فيما سبق للباجي قائد السبسي أن قدّم مشروع قانون بهذا الشأن، ويستعد البرلمان للنظر فيه. ومن جهة ثانية، يدعو الغنوشي إلى إنشاء صندوق لتعويض المضطهدين خلال حكمي الحبيب بورقيبة، وزين العابدين بن علي، أو كما يعرفون في تونس بالمنتفعين بالعفو التشريعي العام وهم في غالبيتهم من الاسلاميين. هذا ما أنتج تصوراً بأنّ الأمر يقتصر على صفقة بين الاسلاميين والدستوريين، أي: تعويضات مالية للإسلاميين، في مقابل العفو عن مخالفي القانون من المقربين للدستوريين (حزب بورقيبة) والتجمعيين (حزب بن علي).
المعارضة: نشهد محاولات للالتفاف على مسار العدالة الانتقالية


رغم تحفظ الأحزاب المشاركة في الحكم، وأساسا "الإتحاد الوطني الحرّ" و"آفاق تونس"، فإنهما طلبا من الغنوشي، في آخر إجتماع لأحزاب الإئتلاف الحكومي، بلورة تصور مبدئي للمبادرة وتوضيحها أكثر حتى يتسنى لهما اتخاذ موقف واضح. وقال المتحدث باسم "آفاق تونس"، وليد صفر، لـ"الأخبار": "طلبنا من الحركة صياغة مبادرة رئيسها دون المس بمسار العدالة الإنتقالية، ومن بعدها نقرر إن كنا سندعمها".
حتى إنّ الشريك الرئيس لـ"النهضة" في الحكم، "نداء تونس"، فإن موقفه غير واضح نظراً إلى خلافاته الداخلية. تدعم هيئته السياسية المبادرة وتزكيها "لما لها من دور في دفع البلاد في كل المجالات"، وخاصة في ظل "تعطّل مسار العدالة الإنتقالية"، وفق ما يشرح العضو فيها، عبد العزيز القطي. أما الكتلة النيابية لـ"نداء تونس"، فإنها لم تصدر موقفا نهائيا من المبادرة، لكنها في كل الاحوال، ترفض التعويضات المالية للمنتفعين بالعفو التشريعي العام نظراً "للوضعية المالية الصعبة التي تمرّ بها البلاد".
في المقابل، تتفق الكتلة النيابية لحزب "النداء" وهيئته السياسية، شأنهما شأن بقية أحزاب الإئتلاف الحكومي، على دعم كبير للجزء الأول من مبادرة الغنوشي، أي مشروع قانون المصالحة الإقصادية والمالية.
القيادي في "النهضة"، العجمي الوريمي، يوضح لـ"الأخبار" أنه يمكن لأي تونسي ممن شملهم العفو التشريعي العام ان يتقدم بملفه لتلقي تعويضات واسترداد الحقوق المدنية والسياسية والتعويض وجبر الضرر، بمعنى أنّ الأمر ليس حكرا على الإسلاميين. والأمر نفسه بالنسبة للمصالحة المالية والإقتصادية. ويرى الوريمي أنّ مبادرة الغنوشي تهدف الى التسريع في مسار العدالة الإنتقالية، وليس نسفها، مضيفاً أن الحركة ستنكب على بلورتها أكثر إثر انعقاد المؤتمر.
أما المعارضة في تونس، التي ترفض بشدة مشروع قانون المصالحة الذي تقدمت به رئاسة الجمهورية سابقاً، فإنها رفضت أيضاً مبادرة الغنوشي، وقد اعتبرتها محاولة للمصالحة خارج إطار قانون العدالة الانتقالية وهياكلها المتمثلة بهيئة الحقيقة والكرامة. ورأت "الجبهة الشعبية" في مبادرة الغنوشي "محاولات للالتفاف على مسار العدالة الانتقالية والتصالح، دون محاسبة، مع رموز النظام القديم وإعادتهم إلى الواجهة للاستنجاد بخبرتهم في القمع وفي الاحتيال على الشعب، وطيّ صفحة الاغتيالات السياسية وخاصة اغتيال الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، في إطار صفقة خسيسة بين قطبي الحكم (النداء والنهضة)". وأكد الأمين العام لـ"حركة الشعب"، زهير المغزاوي، لـ"الأخبار"، أن "من الممكن تشكيل جبهة معارضة سياسية ومدنية لإسقاطها وخاصة مع اقتراب النظر في مشروع قانون المصالحة الاقتصادية".