المسار السياسي الدولي المرتبط بإيجاد حل للحرب السورية، يرتبط على نحو وثيق بالتجاذب حول موقع الرئيس السوري، بشار الأسد، في أي تسوية مقبلة. الانقسامات الحادة حول هذا العنوان تحديداً، هي محور الانقسامات القائمة حول الحل: بين من يدعو إلى ألّا يكون الأسد جزءاً من مستقبل سوريا، سواء في بداية التسوية أو كنتيجة نهائية لها، ومن يدعو إلى التمسك بالأسد بما يمثله من موقع أساسي في المعادلة الاقليمية، وايكال ذلك للشعب السوري بعيداً عن أي تدخل خارجي، يفرض «خيار» اسقاطه فرضاً على السوريين.


من المتوقع لتل ابيب، أن تدلي بموقف من هذا التجاذب، أقله في الغرف المغلقة وخلال اتصالاتها مع واشنطن وموسكو، عرّابي الحلول المقترحة تباعاً للساحة السورية. إلا أنّ ما لا تفصح عنه إسرائيل علناً، على نحو رسمي، تتكفل بإظهاره دوائر الاستشارة والتقدير الرديفة التي ترصد أحداث المنطقة ومساراتها والمصلحة الإسرائيلية من مآلاتها، ومن بينها معهد أبحاث الأمن القومي في تل أبيب، بوصفه هيئة رديفة للمؤسسة السياسية، وتحديداً ما يتعلق بالتقديرات والتوصيات، وارتباطها بالمصالح.

أمس، صدر عن رئيس المعهد، اللواء عاموس يدلين، الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الاسرائيلي، موقف واضح ومباشر من الحلول المطروحة لسوريا، والتوصية حولها، في مقالة نشرت في صحيفة «يديعوت احرونوت» تحت عنوان: «يجب أن يرحل الاسد». أشار فيها إلى أنّ إعادة تشكيل المنطقة التي بدأت قبل خمس سنوات، ترتبط بمصالح إسرائيل الاستراتيجية التي ترى أن من مصلحتها منع تعزيز قوة الإيرانيين وحزب الله، في الشرق الأوسط الجديد. ولفت إلى أنّه «بالميزان الاستراتيجي، يُعدّ رحيل الأسد مصلحة إسرائيلية، إذ إن تعزّز المحور الراديكالي الذي تقوده إيران ويمر عبر الأسد الى حزب الله، هو التهديد الأكثر حضوراً على أمننا».



انتهى الزمن الذي

كان يمكن لإسرائيل مراقبة ما يحدث



فصّل يدلين، في مقاربته التي تعدّ استثنائية من جهة وضوحها ومباشرتها، الأسباب التي من شأنها أن تدفع تل ابيب، انطلاقاً من مصالحها الاستراتيجية، لإيلاء هدف «اسقاط الأسد»، الاهمية القصوى قياساً بخيارات اخرى، ومن بينها خيار «داعش» وغيره. ويشير إلى أنّ «البعض يقول بأن تهديد داعش ليس أقل خطورة، لكن ومن دون التقليل من خطورة الدولة الاسلامية، إلا أنّ معالجة محور طهران – بغداد – دمشق – بيروت، يجب أن يحظى بالاولوية الاستراتيجية، ولسبب بسيط: واقع تجند المجتمع الدولي لمواجهة داعش، بل وأيضاً التمكن من وقف تقدمه». ويشير في هذا الاطار، إلى أنّ معالجة «داعش» دون اسقاط نظام الأسد، يعني ابقاء إسرائيل وحدها بلا مساعدة في وجه محور طهران – الأسد – نصر الله، مع التشديد على أن خطر إيران وحلفائها على إسرائيل، يفوق خطر «داعش» بعشرات الأضعاف.

يدعو يدلين صاحب القرار في تل أبيب إلى وضع استراتيجية عمل «متعددة الطبقات»، ضمن تحالف اقليمي – حتى من دون أن يكون معلناً – مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج وتركيا والأردن ومصر، إضافة إلى شراكة مع الولايات المتحدة، وأيضاً تفاهم سري مع روسيا (التي لا ترى الأسد عنصراً أساسياً من عناصر التسوية المستقبلية لسوريا، في تناقض مع الموقف الإيراني)، مع التأكيد على أن «الدول السنية في الشرق الاوسط، تجمعها بإسرائيل مصالح متداخلة، في مواجهة المحور الراديكالي».

انطلاقاً من ذلك، يحدّد يدلين سبع نقاط من شأنها أن تشكّل استراتيجية شاملة، تؤدي كما يقول إلى «اضعاف المحور الراديكالي، واسقاط الأسد»:

أولاً: تشجيع الخطوات السياسية ضد نظام الأسد والمساعدة على تقديم مسؤوليه إلى المحاكم الدولية بشأن دورهم في الحرب، ويمكن لإسرائيل أن تساهم في ذلك عبر توفير معطيات ذات صلة.

ثانياً: الدخول في حوار مع الولايات المتحدة بشأن استهداف الركائز الأساسية لنظام الأسد في سوريا (البنية التحتية والقدرات الرئيسية).

ثالثاً: من المهم أن تبدو إسرائيل أن لديها مبادئ أخلاقية، وتقدم على أعمال عسكرية محدودة، تعمد إلى تدمير المروحيات التي تلقي بالبراميل المتفجرة... اجراء كهذا سيؤدي إلى ارسال رسالة جيدة، كما يمكن تنفيذ هذا العمل العسكري من دون الدخول في معركة جوية على نطاق واسع.

رابعاً: مواجهة تهديد «داعش» في منطقة جنوب الجولان، مثل «شهداء اليرموك»، وهكذا بإمكاننا أن نثبت انه يمكن محاربة الأسد في موازاة محاربة «داعش».

خامساً: العمل على تحقيق «استقرار انساني» في جنوب سوريا على طول الحدود السورية مع إسرائيل والأردن، مع دعم اقليمي ودولي.

سادساً: صوغ تفاهم مع روسيا للدفع قدماً بالخطوات المشار إليها أعلاه، من خلال التأكيد على حفظ المصالح الاستراتيجية لروسيا في الشمال السوري.

سابعاً: تشجيع الخطوات العربية ضد حزب الله وإيران، وتقديم الدعم لها، حيث يمكن ذلك.

ويؤكد يدلين أنّه انتهى الزمن الذي كان يمكن لإسرائيل مراقبة ما يحدث (في سوريا) وأن تتمنى النجاح للمتحاربين، إذ يجب عليها الآن ألّا تضيع فرصة اضعاف أعدائها الأكثر مرارة. اما التبصرة الختامية لرؤيته الاستراتيجية، فيلفت يدلين إلى ضرورة أن يعرف العالم «أن إسرائيل كانت إلى جانب وإلى يمين السنّة، لدى إزالة واسقاط الأسد».