يختلف سوق بيع السيارات وشرائها في سوريا عنه في بقية أنحاء العالم، ليس بفعل الحرب وحدها، إذ لطالما عانى السوريين ما قبل الحرب من الرسم الجمركي الباهظ على استيراد السيارات، الذي لم يتغير حتى اليوم، لتأتي الحرب أخيراً، وتقضي على أحلام السوريين في اقتناء سيارة، مع ارتفاع سعر الدولار. ثمن السيارات تضاعف 10 مرات عن ما كان عليه قبل 2011، وأصبح الحصول على سيارة حديثة ضرباً من الأحلام. أمر يؤكده علي، صاحب مكتب سيارات، إذ يقول: «سيارة موديل سنتها؟ هالطلب الغريب من زمان كتير ما سمعتو من زبون. وزبايني مو مسؤولين لحتى يشترو سيارة موديل سنتها. كل السيارات قديمة من 2010 وما سبق».على إحدى إشارات أوتوستراد المزة المرورية تجتمع تناقضات العاصمة السورية. يمكن رؤية جميع أنواع السيارات بدءاً من موديل الثمانينيات والتسعينيات، وصولاً إلى أحدثها على الإطلاق، ما يظهر التفاوت الطبقي الحاصل الذي رسّخته الحرب. أمرٌ يحيّر عناصر شرطة المرور في ما بينهم عند ضبط المخالفات، فلبعض السيارات «هيبتها». يتمتم أحد العناصر لبائع متجول ينتظر ضوء الإشارة: «كيف يمكن أن تسأل صاحب سيارة الليكزس عن بطاقة الـ«فيميه» التي يحملها؟». يبتسم البائع ويقول: «لعله يسأل وزير الداخلية عنك، وتجد نفسك غداً على إشارات دير الزور». تساؤلات عدة عن وصول مثل هذه السيارات إلى دمشق في ظل الحرب، وتوقف أسواق السيارات عن تقديم عروض متنوعة، والإجابات لا شك واضحة. اللافت هو افتقاد رؤية أصحاب السيارات الفخمة من أغنياء العاصمة ضمن سياراتهم ذاتها، خلال زياراتهم لمناطق أخرى كالساحل مثلاً، خشية الخطف و"التشليح" الذي قد يسببه وجود مثل هذه السيارات، وهو أمر يتكرر حدوثه في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، وتتعرض لحوادث أمنية مستمرة، بسبب عسكرة الشارع وانتشار السلاح بكثرة في المناطق المهددة باجتياح المجموعات المسلحة. يذكر أنس، تاجر سيارات، أن كلفة جمركة السيارة تصل إلى 400%، وهو أمر معروف من السوريين. وعليه «من الذي يستطيع أن يدفع كلفة شراء سيارة أحدث موديل، إضافة إلى دفع رسوم الترسيم؟»، يتساءل الرجل. ويضيف: «البعض يشتري السيارة من لبنان، ويستخدم علاقاته ونفوذه لوضع لوحة سورية مع بطاقة مهمة أمنية، ما يجعل السيارة تسير على الأراضي السورية معززة مكرمة. هذا يحصل أيضاً». ويعتبر التاجر الدمشقي أن من حق المواطن اللجوء إلى شراء السيارات المسروقة، باعتبارها الأرخص ثمناً.
بدأت السيارات المسروقة تحتل مكاناً بين خيارات الراغبين بالشراء، في نهايات 2012. وكان السوق الأبرز للسيارات المسروقة مدينة حمص، بالتزامن مع أحداثها الأمنية المتمثلة بحوادث الخطف والخطف المضاد إضافة إلى ازدياد عصابات السرقة والتشليح بحجة الحرب القائمة، ما أعطى شرعية مؤقتة في كل منطقة لحاملي السلاح منها. وبحسب أمجد، متطوع في الجيش عاصر الأحداث الأمنية، فإن الخطوة بدأت في مناطق سيطرة الدولة السورية مع مصادرة الجيش والقوى الأمنية لسيارات المسلحين وآلياتهم. ويشرح الشاب الحمصي أنّ بإمكان الضباط استحضار ورقة «مهمة أمنية» تمكنهم وعناصرهم من استخدام هذه السيارات لفترة غير محددة، بحسب مقتضيات الحرب. غير أن الأمر تطور لاحقاً إلى محاولات مكاتب السيارات «المدعومين»، عرض سيارات مسروقة لبيعها على المواطنين بأسعار بخسة، بحسب توضيح أمجد. ويضيف: «الأمر بدأ بما تقتضيه الحاجة وأصبح سلسلة لا تنتهي من تجاوزات أصحاب المهمات الأمنية. وصار الساحل السوري سوقاً لبيع السيارات المسروقة، ومقصد سارقيها من الحمصيين».
يرزح مئات الآلاف من السوريين تحت رحمة النقل العام وازدحام الحواجز

بسعر يتجاوز مليون ليرة سورية، اشترى خالد سيارته المتواضعة، التي لا يستطيع الآن استخدامها. يشرح الشاب العشريني: «قصدت المكتب العقاري في اللاذقية بغرض شراء سيارة مستعملة رخيصة، ولم أتمكن من فراغها (نقلها إلى اسمه)، لعدم توافر سعرها كاملاً. تفهّم صاحب المكتب الأمر بلطف، ومهرت سند الأمانة بإمضائي، متعهداً بدفع باقي المبلغ خلال عام». ويكمل قوله: «على أحد الحواجز جرى توقيفي ومصادرة السيارة بحجة أنها مسروقة. وقد قدم أصحابها إثباتات لاحقة، ما أدى إلى انتهاء الأمر في المحكمة، ووضع إشارة حجز على السيارة. لا يمكنني استخدامها. ولا يمكن أصحابها استعادتها».
ويلفت عدد من أصحاب مكاتب السيارات أن السيارات المبيعة على أنها مسروقة، لا يشتريها إلا الزبائن القادرون على تأمين بطاقة أمنية لمرورها، وبالتالي هم يعرفون أنهم يستخدمونها مؤقتاً، إلا إن تأكد أن أصحابها مسلحون، وغير موجودين في مناطق سيطرة الحكومة. غير أن الثمن الزهيد الذي يدفعونه لقاء ذلك يشجعهم على استخدامها، ريثما يأتي من يطالب بها وفق بلاغ إلى الشرطة، لكن بعد فترة قد تطول بحسب تاريخ محضر سرقتها. وهذا ما أكدته مصادر في الشرطة لـ«الأخبار»، موضحة أن تنبيهات عدة وجّهت إلى المواطنين بعد تكرار حوادث النصب والاحتيال، بأن شراء السيارات المسروقة ليس مضمون العواقب، حتى إن وُجدت بطاقة بالمهمة الموكلة إلى سائق السيارة الحالي، بحسب مقتضيات الحرب القائمة. ونوّهت المصادر بأن الثمن المنخفض لاقتناء هذه السيارات، بحسب عروض أصحاب مكاتب السيارات المتواطئين مع سارقيها، يشجّع المواطنين على المضي بإرادتهم إلى الوقوع في فخ النصب والاحتيال. وفي مقابل ذلك، فإن السوريين القادرين على دفع كامل ثمن سيارة مستعملة غير مسروقة، وبأوراق ثبوتية نظامية، يمكنهم الحصول عليها بسعر يزيد أضعافاً على سعرها ما قبل الحرب، أيام كانت تعتبر حديثة. تذكر رزان أنها اشترت سيارتها المستعملة عام 2012، بسعر لا يتجاوز 4 ملايين ليرة، فيما يعرض لقاءها أصحاب المكاتب مبلغ 16 مليوناً، وهو سعر منطقي في السوق، حسب تعبيرها.
خارج إطار تجارة السيارات وأصحابها، يرزح مئات الآلاف من السوريين تحت رحمة النقل العام وازدحام الحواجز العسكرية. زياد، موظف حكومي، يجد أن للإفلاس إيجابيته أيضاً بالنسبة إلى المواطنين الفقراء. ورغم رفع تسعيرة الركوب في وسائل النقل الحكومية، غير أنها بقيت ملاذاً للطلاب والموظفين والفقراء من السوريين. كذلك فإنها «تشهد ازدحاماً مخيفاً»، حسب قول الرجل الأربعيني، الذي يقول ساخراً: «مرتاحين من البنزين وصفّة السيارة. ما معنا مصاري لنشتريها أصلاً، والحمد لله ماننا هدف للنصابين لأنو ما فيه مصاري. وليكنا عم نتبهدل بهالباصات والسيرفيسات».