عديد من "المغاربيين" أحاديثهم السياسية عن واقع بلدانهم بالتساؤل عن أمرين: مآلات الملف الليبي، و"هوية الرئيس المقبل للجزائر". وإذا كانت الفوضى الليبية وانعكاساتها على الواقع الإقليمي تهيمن على مجمل النقاشات السياسية، إلا أنّ طرح مسألة الرئيس المقبل للجزائر بعد انتهاء الولاية الرابعة للرئيس الحالي، عبد العزيز بوتفليقة، في 2019، تنهي مجمل النقاشات دون التمكن من تكهن أي جواب.ليس جديداً طرح هذه المسألة، إذ إنها أسالت الكثير من الحبر إبان ترشح الرئيس بوتفليقة لولاية رابعة في استحقاق عام 2014، وارتفعت أصوات المعارضة الجزائرية رافضة لذلك على اعتبار أنّ "مرض بوتفيلقة لن يسمح له بإنهاء ولايته، وحكم البلاد". وقد تتابع طرح تلك المسألة في بعض الإعلام الجزائري والإعلام الغربي إبان ما حُكي عن "صراع الأجنحة داخل النظام" وذلك على خلفية "الصراع بين الرئاسة وجهاز المخابرات" الذي كان يرأسه الرجل القوي، الجنرال توفيق (صانع الرؤساء سابقاً؟)، قبل إحالته على التقاعد في شهر أيلول الماضي، في مشهد فسره بعض المتابعين بأنّ "الرئاسة (ومن خلفها الجيش) كسبت المعركة".
سببان أعادا راهناً طرح مسألة "خلافة" الرئيس عبد العزيز بوتفليقة

كذلك، فإنّ هذه المسألة تشكّل محور أحاديث بعض الأوساط الديبلوماسية، العربية والغربية، في "المغرب العربي". فمن مجرد تساؤل دبلوماسي عربي عن "واقع الجزائر ما بعد بوتفليقة" وإبداء تخوفه، مروراً بردّ أحد الدبلوماسيين الغربيين الرفيعين في دولة مجاورة للجزائر على سؤال شبيه، بالقول: "لن تقع فوضى... لن يتفق أركان السلطة (الجزائرية) على رئيس مقبل الآن، ومرجح أن نشهد فترة انتقالية"، وصولاً إلى الحديث الإعلامي عن "قلق الاتحاد الأوروبي"، قد يتضح مدى الاهتمام الإقليمي بتلك المسألة.
في أحد الجوانب، فقد يتأتى الاهتمام بهذه المسألة من أهمية دور الجزائر إقليمياً (تحديداً في ما يتعلق بليبيا وبمنطقة الصحراء) ومن كونها دولة عربية مركزية لها مواقفها المتمايزة راهناً، وبالتالي فإنّ هوية من سيقود البلاد في المرحلة المقبلة لا بد أن تكون محورية بالنسبة إلى العديد من القوى. ومعروف أنّ الحملة العسكرية الفرنسية في مالي بداية عام 2013، إلى جانب الفوضى في ليبيا، أعادا خلط أوراق القوى الغربية (والعربية) في منطقة "المغرب العربي". فمن حضور أميركي بات واضحاً وينافس الدور الفرنسي التاريخي هناك، إلى دخول أطراف عربية بقوة في مشهد الصراع الليبي لدرجة التأثير بشكل أو بآخر في مسار الأمور، فإنّ كل الصورة بات يعاد تركيبها، ومن المؤكد أنّ مسألة مثل "مستقبل الجزائر السياسي" تمثل الثقل الأبرز ضمن هذا المشهد.
في الوقت الحالي، عادت "خلافة بوتفليقة" لتطرح بقوة، لسببين: أولاً، توجه الرئيس الجزائري (مرة جديدة) إلى سويسرا في "زيارة طبية" قبل شهر، وقد جاءت الزيارة بعدما نشر الإعلام الفرنسي صوراً تظهر مدى تعبه والإرهاق الذي يعاني منه، وذلك حين استقبل رئيس الوزراء الفرنسي، مانويل فالس، في الجزائر أخيراً. ثانياً، عودة وزير الطاقة السابق، شكيب خليل، إلى الجزائر في شهر آذار الماضي، و"انتقال خليل، الحليف المقرب من الرئيس العليل عبد العزيز بوتفليقة، من مدينة إلى أخرى، ولقاءاته مع المسؤولين والقيادات الدينية قد دفع معارضيه للقول إنه يبدو كأنه يدير حملة دعاية انتخابية (رئاسية)"، وفق ما ذكر تقرير لـ"رويترز"، أمس، يعيد الإشارة إلى مختلف الدعوات المعارضة لإجراء "انتخابات رئاسية مبكرة" بسبب "فراغ السلطة".
وتبقى صورة شكيب خليل، وهو خبير سابق في البنك الدولي، بارزة راهناً كخليفة محتمل لبوتفليقة، على الرغم من كونه شخصية متهمة بقضايا فساد. ولكن تقرير "رويترز" يشير إلى "ترحيب جبهة التحرير الوطني" بعودته وإلى قول "عمار سعداني (الرجل القوي في الجبهة وأمينها العام) إلى "إمكانية الاستفادة من خبراته في إصلاحات قطاع الطاقة" في البلاد التي باتت تواجه صعوبات اقتصادية بفعل تراجع أسعار النفط عالمياً (وهي تمثّل رقماً مهماً ومرتفعاً في ميزانية الدولة).
وقبل شكيب خليل، كانت الأسماء المتداولة عن الخلافة، تدور حول مدير الديوان الرئاسي، أحمد أويحيى، رئيس الوزراء، عبد المالك سلال، وعمار سعداني. وإن كان سلال ينأى بنفسه نسبياً عن هذا المشهد، إلا أنّ الجزائر شهدت قبل أيام هجوماً (شرساً) قاده سعداني نفسه ضد أويحيى، الذي رد بتأكيد "الوفاء" للرئيس، بالرغم من أنه يُقدم كأحد أبرز مرشحي "الخلافة". ومن جانب المعارضة، هناك أسماء تقليدية لهذا المنصب، أبرزها رئيس الوزراء السابق، السياسي المعارض، علي بن فليس، الذي نقل عنه تقرير "رويترز" قوله: "القضية الوحيدة هي إعادة سيادة الشعب عن طريق الانتخابات. فلم أكن بحاجة لرؤية تلك الصورة (المنشورة لبوتفليقة عقب زيارة رئيس الوزراء الفرنسي الأخيرة) لمعرفة أن لدينا فراغاً في السلطة".
يجري كل ذلك في وقت أنّ شقيق بوتفليقة، سعيد، يدير، وفق العديد من المعارضين والتقارير الإعلامية، الدولة في ظل مرض الرئيس. ويقال حالياً إنّ احتمال إغلاق صحيفة "الخبر" عقب إمكانية وضع رجل الأعمال، يسعد ربراب، "غير القريب من دوائر السلطة"، يده عليها، يقف خلفها، سعيد بوتفليقة.
على الرغم من كل ما تقدم، تبقى مسألة "خلافة بوتفليقة" حساسة محلياً، لناحية الخشية من الغرق بالفوضى مجدداً، ولناحية أنّ فئات واسعة من الجزائريين تحفظ له "إخراج البلاد من السنوات السوداء"... فهو في مكان ما بالنسبة إلى الجزائريين "بوتاف الذي وعدنا (بالمحاسبة والأمن)"، كما تقول بطلة أحد أفلام ثلاثية المخرج، نذير مكناش، المُنتجة خلال العقد الماضي عقب "العشرية السوداء".