تتوزع في عدد من أحياء دمشق الراقية «مافيا» المضاربين بالعملة
وما زاد من أهمية الساحة ومكانتها سابقاً في «تصريف العملة»، تباينها عن معظم ساحات العاصمة الرئيسية، التي إما أنها كانت تفتقد تماماً النشاط الاقتصادي أو أي من تفرعاته، أو أنها كانت تمارسه على خجل وبشكل محدود، وهذا واقع لا يزال حاضراً في بعض جوانبه إلى اليوم. لكن عضو غرفة تجارة دمشق واتحاد المصدرين مازن حمور يميل إلى الاعتقاد بأن سبب انتشار أعمال الصرافة في المنطقة «ليس له علاقة بمكانتها التجارية، وإنما بالتجمع البشري الموجود فيها والمنتمي إلى جميع المحافظات، فضلاً عن كونها سابقاً نقطة انطلاق رئيسية نحو الخارج».
للدكتور محمد غسان طيارة، وزير الصناعة السابق، رؤية أخرى، إذ بحسب معلوماته «فقد كانت تجارة العملة تمارس عبر دكاكين موجودة على مدخل سوق الحميدية، وذلك بغية مساعدة السياح العرب والأجانب على تصريف ما يحتاجونه من عملات، وعلى مقربة من تلك الدكاكين كانت توجد أيضاً دكانة لبيع وشراء الأسهم، واستمرت في عملها حتى نهاية فترة الستينيات». ويضيف لـ«الأخبار» أن العديد من تجار التحف الشرقية المنتشرين في تلك المنطقة، كانوا يقومون أيضاً بأعمال تصريف العملة. إنما لأول مرة أسمع أن المرجة هي مركز لتصريف العملات الأجنبية».
وهذا أيضاً ما يذهب إليه أحد الاقتصاديين البارزين، الذي يشير إلى أنّ سمة منطقة المرجة كمركز لتصريف العملة متأتية من تاريخ المنطقة، فهي متاخمة للمحال التي كانت في السابق منتشرة على حائط القلعة تبيع الساعات وتقوم بتصريف العملة، فضلاً عن مجاورتها واتصالها بعدة أسواق، لا تزال تمثّل حتى اليوم عمود الاقتصاد الدمشقي، كسوق المناخلية، والزرابلية، وسابقاً كان هناك سوق الهال للمنتجات الزراعية، وغيرها. وللعلم أيضاً، فإن ساحة المرجة، والمسماة رسمياً اليوم ساحة الشهداء، كانت تحتضن في السابق المراكز الرئيسية لإدارة شؤون الدولة، كالسرايا الحكومية ووزارة الداخلية.
صيت «غنى»
ليس للساحة اليوم، التي تعد رسمياً مركزاً لمدينة دمشق، هوية واضحة، فالزائر لها وللشوارع المحيطة بها، يلحظ بوضوح ذلك التنافر والتداخل الحاصلين بين مهن محالها ومكاتبها وأسواقها، من محال بيع التجهيزات والأدوات الكهربائية إلى محال بيع الفروج، فوُرش ومحال صناعة الحلويات الشرقية، وبيع الألبسة والأحذية، فمكاتب السياحة والسفر وبعض فروع شركات الصرافة المرخصة حديثاً، وصولاً إلى المكاتب التجارية والفكرية. وبين هذا وذاك تتموضع بعض المقاهي الشعبية، التي أصبح جل روادها اليوم من أبناء المنطقة الشرقية، إضافة إلى الفنادق الشعبية، وتلك المصنفة ثلاث نجوم وما دون، والمنتشرة بكثرة في المنطقة. كل ذلك كان كافياً بنظر البعض ليخلق طلباً ما على القطع الأجنبي، زاد حجمه خلال فترة الحرب، وما حملته من متغيرات وتأثيرات اقتصادية واجتماعية وديمغرافية، تبدّت ملامحها سريعاً في ساحة المرجة، من خلال نسب الإشغال المرتفعة للفنادق، التي تخطت غالباً عتبة الـ95%، جراء نزوح كثير من سكان المناطق الساخنة باتجاه العاصمة، وتالياً ارتفاع الطلب على السلع والخدمات الموجودة في المنطقة.
لكن ذلك لم يحل دون سحب البساط من تحت أقدام صرافة المرجة الذين بقوا يتعاملون بمبالغ صغيرة ومتوسطة تتناسب وطبيعة الطلب المحصور ببعض الراغبين بالسفر لخارج البلاد، وأصحاب المحلات التجارية، والعائلات النازحة التي تصلها مساعدات خارجية عبر قنوات شخصية، فيما كانت شريحة جديدة من «المضاربين» وتجار العملة تنمو خارج الساحة والمناطق التقليدية لتصريف العملة. شريحة يتعامل أفرادها بملايين الدولارات، ويتوزعون على كثير من أحياء دمشق الراقية، مشكلين بذلك «مافيا» جديدة تضغط بقوة على سعر الصرف وتحركه كيفما تشاء. تطور يبرره الاقتصاديون بانزياح «مراكز إدارة شؤون الدولة» والقوى التجارية الرئيسية بعيداً عن منطقة المرجة، باتجاه مناطق جديدة في العاصمة.