مع أن مواقف إسرائيلية كثيرة، مؤيدة ومعارضة لانتقادات تقرير «مراقب الدولة» الأخير، تستند إلى خلفيات تنافسية حزبية وسياسية، فإنها تكشف عن قصور لدى الطاقم الحكومي، وخاصة رئيسه بنيامين نتنياهو، عن إدراك مخاطر الأنفاق الهجومية للمقاومة الفلسطينية، خلال الحرب الأخيرة، وكذلك في ما يخص الرؤى والتقديرات إزاء أولويات الصراع، لدى تل أبيب، كما تكشف في الوقت نفسه عن قدر من التسليم بمحدودية القدرات الإسرائيلية.ولا تزال مفاعيل تسريب مسوّدة تقرير «مراقب الدولة» حول إخفاقات عدوان «الجرف الصامد» على غزة (راجع العدد ٢٨٨٠ أول من أمس) تتصاعد، بل تحدث نوعا من الاهتزاز السياسي في الساحة الداخلية الإسرائيلية، وخاصة أن التقرير، إلى حدّ ما جرى تسريبه حتى الآن، لم يوفر في اتهاماته أياً
من المستويين السياسي والعسكري، على التفاوت بينهما.
فمن جهة، برز تجنب نتنياهو عرض المعلومات ذات الصلة على وزراء المجلس الوزاري المصغر، وهو ما حاول تبريره «مراقب الدولة» دفاعا عن رئيس الوزراء، ومن جهة أخرى، برزت عدم جاهزية الجيش لمعالجة الأنفاق قبل بدء الحرب.
لكن، بعيدا عن المعلومات الاستخبارية، التي أكدت إسرائيل أنها كانت متوافرة عن وجود هذا النوع من الأنفاق، يفترض أن مبدأ خيار الأنفاق الهجومية لم يكن مفاجئا للعدو نتيجة عدد من التجارب السابقة التي نفذت خلالها المقاومة عمليات استخدمت مثل هذا النوع من الأنفاق. لكن المفاجأة كانت في أعداد الأنفاق الجديدة ومفاعيلها ومساراتها.
خيار الأنفاق الهجومية لم يكن مفاجئا للعدو
بل عددها ونوعها

ومن العمليات السابقة التي استخدمت خلالها المقاومة في غزة أنفاقا هجومية، عملية أسر الجندي غلعاد شاليط، في حزيران 2006. كما أنه قبل أيام من عدوان «عمود السحاب» (تشرين الثاني 2013) انفجر نفق مفخخ قرب قوة في الجيش الإسرائيلي. وخلال سنة ونصف سنة من قبل بدء عدوان «الجرف الصامد»، أعلن جيش العدو كشفه ثلاث فتحات لأنفاق في الجانب الشرقي للسياج، في الأراضي المحتلة، إلى جانب أنفاق أخرى، كلها مع غيرها من المعطيات تؤكد إدراك الإسرائيلي وجود أنفاق هجومية قبل مدة طويلة من بدء العدوان (قبل نحو سنتين) الذي استمر51 يوما.
في كل الأحوال، تكشف الملابسات في التقرير المذكور عن إخفاء لمعلومات أو قصورا في فهم أخطار الأنفاق، وأيضا غياب الجاهزية العملانية لمعالجتها، ضمن أبعاد تتصل بتلك المرحلة، وخاصة أنه لم يجر التعامل مع تهديد الأنفاق بما يتناسب، لا من المستوى السياسي ولا العسكري.
وبالعودة إلى المرحلة التي سبقت عملية «الجرف الصامد»، برزت حقيقة أن غالبية جلسات المجلس الوزاري المصغر في تلك المدة تناولت التهديد النووي الإيراني، والوضع على الجبهة اللبنانية السورية. وهو أمر له علاقة بتوجهات صانع القرار السياسي وأولوياته إزاء ما يراه ويقدره من تهديدات أكثر إلحاحاً في تلك المدة.
مع ذلك، يكشف غياب جاهزية الجيش، وأي توجيهات من المستوى السياسي تتلاءم مع مستوى تهديد الأنفاق الهجومية، عن أن المؤسستين العسكرية والسياسية لم «تستوعبا» الأبعاد الاستراتيجية التي انطوت عليها تلك الأنفاق في تلك المرحلة.
على ضوء ذلك، من الطبيعي أن يترك هذا المفهوم أثره في المقاربة السياسية والعسكرية لقضية الأنفاق، ومما يعزز هذا الاتهام أن الجيش حتى بدء المعركة لم يكن قد بلور ردودا عملانية ملائمة لهذا «التهديد»، وإنما بادر في ذروة المعركة إلى الارتجال ومحاولة معالجة تهديد الأنفاق لمدة استمرت نحو أسبوعين ونصف أسبوع.
في السياق نفسه، يبدو أن فشل الاستخبارات ورئاسة أركان الجيش ووزير الأمن تجسد أيضا في استبعاد نشوب المواجهة مع غزة، وبقيت هذه المقاربة إلى حين نشوبها قبل نحو سنتين، وهو معطى ساهم بصورة مباشرة وغير مباشرة في بلورة الوقائع التي يركز عليها التقرير.
بعد ذلك، يبدو أن امتناع نتنياهو، الذي كان مطلعا على تهديد الأنفاق عن عرض المعلومات (بمقدار ما كان متوفراً قبل العدوان)، على وزراء المجلس الوزاري المصغر، يعود إلى إدراكه المسبق أنه لن يستطيع المبادرة إلى هذه الخطوة من دون أن ينتهي ذلك بقرار عملاني يسعى إلى اجتثاث الأنفاق، من ثمّ التدحرج نحو مواجهة عسكرية مع غزة لم يكن يريدها في ذلك الوقت، وخاصة أنه لم يكن بالإمكان تنفيذ ذلك بضربة خاطفة، كما اتضح لاحقا.
ومن الواضح أن أكثر مخاوف نتنياهو كانت من مزايدات الوزيرين افيغدور ليبرمان ونفتالي بينيت، وآخرين، كانوا سوف يصرون على شن عملية عسكرية واسعة ضد القطاع، أو يتهمونه بالجبن والتخاذل... فيما كانت اهتمامات نتنياهو على جبهات أخرى.