القدس المحتلة | وكأنّ حياة المقدسي في الفترة الأخيرة أصبحت على «كف عفريت». آلة البطش الإسرائيلية باتت تتحكم بها مزاجية حاملي السلاح الإسرائيليين، سواء أكانوا عسكريين أم رجال أمن عاديين. فما تشهده مدينة القدس المحتلة منذ ثلاثة أشهر دليل واضح على سياسة اللامبالاة الإسرائيلية بحياة المقدسيين العزل. إذ منذ شهر آذار الماضي وحتى يوم أمس، اغتالت رصاصات الاحتلال طفلاً وشاباً مقدسيين، وأصابت ثالثاً بجراح في قدميه، من دون أسباب.وزاد اغتيال الشاب عمران أبو دهيم (41 عاماً)، يوم أمس، من تأكيد السياسة التي باتت تنتهجها الحكومة الإسرائيلية لإرهاب المقدسيين من أجل إسكات صوتهم الرافض للاحتلال ولسياساته العدائية، وهي سياسة القتل بدم بارد دون التأكد من نية المقتول، ما إذا كان أصلاً ينوي القيام بعملية فدائية أو ما شابه.

قتْلُ جنود الاحتلال لأبو دهيم لمجرد أنه أراد تغيير طريقه التي كان يسلكها بالتفاف بقدر حدوة فرس؛ ما هو إلا دليل على عنجهية العساكر الإسرائيليين المنتشرين في أحياء القدس جميعها، التي أصبحت مزاجيتهم تنهي حياة أي مقدسي.
وقبل نحو شهرين، أطلق أحد حراس القطار الخفيف في القدس المحتلة النار على المقدسي حاتم صلاح (35 عاماً)، نقل إثرها إلى المستشفى نتيجة إصابته في قدميه. زعم الحارس أن صلاح كان ينوي تنفيذ عملية طعن في محطة القطار، الأمر الذي نفته محكمة الاحتلال نفسها، لكون المغدور لم تكن بحوزته أي أداة حادة تثبت زعم مطلق النار. حتى إنّ المحكمة الإسرائيلية قالت إنه لم يكن هناك داع لإطلاق النار عليه.
وخلال التحقيق في قضية المقدسي حاتم صلاح، تبيّن للشرطة أن حراس القطار كانوا قد اعتدوا عليه بالضرب قبل استهدافه بيوم واحد، وعندما عاد في اليوم التالي إلى المحطة ليتعرف إليهم، أطلقوا النار عليه قبل أن يصلهم.
أما قبل نحو شهر ــ أي في نيسان الماضي ــ فاغتال جنود الاحتلال المتمركزون عند «حاجز ازعيم» الواقع بين قرية الطور وقرية ازعيم شرق القدس المحتلة، الفتى علي أبو غنام (17 عاماً) بعد الاعتداء عليه بالضرب أثناء مروره على الحاجز، بزعم أنه حاول طعن الجنود هناك.
هذا الزعم نفته كل الوقائع، إذ إنّ شرطة الاحتلال ــ كما عهدناها في العمليات السابقة ــ تنشر فيديوهات لمحاولات الطعن والدهس فوراً لإثبات ادعائها، ولكنها بعد اغتيال أبو غنام لم تنشر شيئاً واكتفت بالتكتم على القضية، علماً بأن الحواجز الإسرائيلية مليئة بالكاميرات التي توثق كل ما يجري فيها.
بالعودة إلى قضية الشاب عمران أبو دهيم، فإن جميع شهود العيان أكدوا أنه لم يكن هناك نية لدهس الجنود الموجودين عند مفرق قرية الطور، فما كان واضحاً أن أبو دهيم أراد الالتفاف لازدحام الشارع الذي كان يسلكه، لكن جنود الاحتلال سرعان ما أشهروا أسلحتهم تجاهه وأطلقوا النار عليه وباشروا إطلاق قنابل الصوت على الموجودين في الشارع، إضافة إلى أنّ إعلان «إصابة جنديين بجراح متوسطة» ما هي إلا أكذوبة لتبرير قتله.
«إن استخدام العسكر الإسرائيليين سياسة القتل بدم بارد يأتي نتيجة لتصاعد تطرف اليمين الإسرائيلي المتمثل بحكومة الاحتلال الذي يعطي الضوء الأخضر للمؤسسة العسكرية لقمع الشباب الفلسطيني بكافة الطرق والوسائل لكون القدس تشهد حالة من الغضب، بسبب غياب المؤسسات الرئيسية الفلسطينية فيها كبيت الشرق الذي أغلقه الاحتلال، وغياب القيادة السياسية الفلسطينية في القدس كفيصل الحسيني، وسياسات الاحتلال التي خلقت عندهم أزمة هوية وسكن وعمل وحتى سفر، ما جعلهم يتجهون إلى المجهول»، وفق ما يرى المحلل السياسي مهدي عبد الهادي.
يضيف عبد الهادي أن اليمين الإسرائيلي ينتهج سياسة البطش مع المقدسيين لخلق سياسة الخوف عندهم كي يتمكن من تكميم أفواههم وتسيير مخططاته دون عوائق، موضحاً أنّ تكثيف الوجود في مناطق الاشتباكات في القدس (كقرية الطور وحي وادي الجوز وبلدة سلوان وقرية عناتا ومخيم شعفاط) يهدف إلى التقليل من الكثافة السكانية في تلك المناطق حتى يتمكن الاحتلال من تنفيذ مخططاته التنظيمية لفرض حدائق تلمودية وعامة فيها بغية تفريق السكان.
وتتحمل مسؤولية سياسة البطش الإسرائيلية، أيضاً، المؤسسات الدولية في القدس التي يصل عددها إلى 28 مؤسسة، فهي تعمل على توثيق أفعال الاحتلال ولكن من دون المنادة بمطالب حيوية وجوهرية لوقفها، كما يقول عبد الهادي.
ويمكن ملاحظة تلك الاشتباكات بوضوح في القدس، فالمدينة تشتعل بأكملها بين حين وآخر، ويكاد لا يخلو يوم من مواجهات في أحياء مختلفة من المدينة.