بغداد | اتسعت رقعة الانهيار الأمني في مدينة الرمادي بعد مرور 72 ساعة على بدء تنظيم «داعش» غزوته على المدينة، لتشمل هذه المرة مناطق لم تصل إليها نيران التنظيم سابقاً، كمنطقة الملعب (جنوبي المدينة) التي أغار عليها التنظيم يوم أمس وتمكن من السيطرة على أجزاء منها، إثر انسحاب قوات الجيش، وهي المنطقة التي كانت القيادات العسكرية تخطط لجعلها منطلقاً لتحرير المناطق التي احتلها «داعش».ومنذ يوم الجمعة الماضي، لم يُسجّل أي تقدم ميداني يمكن أن يحسب للقوات العراقية، أو على الأقل يمكن أن يوصف برد الاعتبار، بعد الانتكاسة الأخيرة في الرمادي. وتستثنى من هذا المشهد ما يمكن تسميتها بـ«الجرعات» التي يطلقها الإعلام الرسمي والبيانات التي تصدر عن وزارتي الداخلية والدفاع، والتي تتحدث عن استعادة منطقة هنا وأخرى هناك، من دون أن يترجم ذلك على أرض الواقع.
وفيما واصلت الحكومة الحديث عن استعدادات وإرسال تعزيزات، كشف ضابط رفيع المستوى في شرطة محافظة الأنبار لـ«الأخبار» عن عدم وصول أي تعزيزات عسكرية تذكر إلى مدينة الرمادي، مؤكداً استمرار «داعش» في محاصرة العديد من القطعات العسكرية والجنود في مناطق متفرقة من المدينة.

في غضون ذلك، أعلن عضو في مجلس محافظة الأنبار، في حديث إلى «الأخبار»، حدوث انهيار للقطعات العسكرية في الرمادي وانسحاب قوات الجيش من منطقتي الشركة والملعب ومن الجامع الكبير، ليحكم التنظيم سيطرته على المدينة بشكل شبه كامل، ما عدا منطقة الحبانية وأحياء بسيطة من المدينة.
عقب ذلك، حدث ما يشبه المفاجأة عصراً، حين صوّت مجلس محافظة الأنبار على دخول قوات «الحشد الشعبي» إلى المحافظة للمشاركة مع بقية القطعات العسكرية وأبناء العشائر في تحرير المحافظة، بحسب ما أعلن التلفزيون الرسمي في خبر عاجل. وقد أنهى هذا الخبر جدلاً وانقساماً حاداً استمر أسابيع عدة، وتمحور حول قرار دخول «الحشد» في المعارك من عدمه. وأعقب التصويت تحرك لعدد كبير وبارز من شيوخ ووجهاء عشائر المحافظة، إذ عقدوا اجتماعاً في مدينة الخالدية طالبوا خلاله رئيس الحكومة، حيدر العبادي، بالسماح لقوات «الحشد» بدخول المحافظة.
اشترطت واشنطن
على العبادي أن تكون قوات «الحشد» بإمرته

ووجّه العبادي هيئة «الحشد الشعبي» إلى الاستعداد والتهيّؤ مع القوات الأمنية والعشائر للمشاركة في عمليات تحرير الأنبار. كذلك أعلنت «كتائب حزب الله» العراق حالة الاستنفار العام بين مقاتليها، داعيةً المجازين منهم إلى الالتحاق بمقار عملهم فوراً، نظراً إلى الظروف الطارئة في بعض مناطق العراق ومحافظاته.
ويبدو أنّ تلك التطورات لم تأت مصادفة أو من باب «صحوة» حدثت لمجلس الأنبار، الذي ظلّ أعضاء بارزين فيه رافضين بقوة دخول «الحشد»، وذلك حتى بعد موافقة شيوخ قبائل وعشائر المحافظة الشهر الماضي على دخول تلك القوات.
وفي حديث إلى «الأخبار»، كشف مصدر رفيع في محافظة الأنبار عن اتفاق جرى خلف الكواليس بين ثلاثة أطراف، هي حكومة بغداد والحكومة المحلية في الأنبار والسفارة الأميركية في العراق، قضى بدخول قوات «الحشد الشعبي» بكافة فصائله وتشكيلاته إلى المحافظة، وبإزالة الخطوط الحمر التي تم وضعها مسبقاً على دخول بعض الفصائل، ككتائب «حزب الله» و«عصائب أهل الحق» ومنظمة «بدر».
وكان الأمين العام لـ«عصائب أهل الحق»، الشيخ قيس الخزعلي، قد كشف خلال لقاء تلفزيوني أمس عن ضغوط مارستها الادارة الأميركية على رئيس الحكومة حيدر العبادي، لمنع دخول «فصائل متميزة» في «الحشد» إلى الأنبار، ما أدى إلى حدوث الانتكاسات الأخيرة. ولدى سؤاله عن أسماء تلك الفصائل، قال إن «الكتائب وبدر والعصائب كان لها دور متميّز في عمليات التحرير».
المصدر الأنباري بيّن في حديثه إلى «الأخبار» أن واشنطن اشترطت على العبادي أن تكون تلك القوات والفصائل بإمرته، وأن يتحمل مسؤولية أي «خروق» أو «انتهاكات قد تحدث مستقبلاً»، مؤكداً أن العبادي وافق على جميع تلك الشروط من حيث المبدأ.
عضو مجلس محافظة الأنبار، عذال الفهداوي، أكد موافقة واشنطن على مشاركة «الحشد الشعبي» في الأنبار، من دون التعليق على بقية التفاصيل. لكنه أشار في حديث إلى «الأخبار» إلى حصول تفاهمات واتفاقات تقضي بأن تكون جميع تلك القوات والفصائل بإمرة العبادي.
من جهة أخرى، أعلنت لجنة الأمن والدفاع في مجلس النواب استضافة مستشار الأمن الوطني فالح الفياض، الذي يترأس كذلك هيئة «الحشد الشعبي»، وبعض قادة «الحشد»، لدراسة إمكانية وكيفية مشاركة «الحشد الشعبي» في معارك تحرير الأنبار، بحسب ما قال عضو اللجنة محمد الكربولي لـ«الأخبار».
في موازة ذلك، كشف مصدر محلي في الأنبار عن تفاصيل جديدة سبقت التطورات الأمنية الأخيرة في الرمادي، لافتاً إلى أن أبرز أركان الحكومة المحلية في المدينة، فضلاً عن قياداتها الأمنية، لم يكونوا موجودين فيها ساعة الهجوم عليها والسيطرة على المجمع الحكومي.
المصدر أكد لـ«الأخبار» أن كل من قائد شرطة الأنبار اللواء كاظم الدليمي، ونائب رئيس مجلس المحافظة فالح العيساوي، وآمر شرطة القاطع الجنوبي للرمادي العقيد حميد شندوخ، وعدداً من أركان الحكومة المحلية، لم يكونوا موجودين ساعة الهجوم. المصدر أشار كذلك إلى أن تلك الأسماء وغيرها كانت على علم بالهجوم قبل ثلاثة أيام، حين كان «داعش» يحشد عناصره في منطقة البوفراج شمالي المدينة.
ولفت المصدر إلى أن «التحالف الدولي» كان قد أوقف غاراته بشكل شبه تام قبل يوم واحد من الهجوم، لكنه استأنف هجماته بعد الحادثة، و«شنّ أعنف الغارات منذ تأسيس التحالف الدولي» على مقار وتجمعات «داعش»، موقعاً العشرات بين قتيل وجريح.