بغداد | فيما كان آلاف الزوار يستعدون لإنهاء الساعات الأخيرة من «الزيارة المليونية» السنوية التي دأب العراقيون على إحيائها في الكاظمية شمال بغداد، في ذكرى شهادة الإمام موسى بن جعفر الكاظم، حدث ما لم يكن في الحسبان. شائعات بوجود انتحاريين وأحزمة ناسفة تتطور إلى إطلاق نار وتدافع بين الزائرين، وتنتهي بأعمال شغب وحرق، طالت مبنى حكومياً في الأعظمية المجاورة يتبع لديوان الوقف السنّي، فضلاً عن خمسة منازل وعدد من السيارات المدنية، بحسب الرواية الرسمية.
وسارعت غالبية القوى العراقية إلى احتواء «الفتنة»، فيما رأى رئيس الحكومة، حيدر العبادي، في بيان إثر زيارته المدينتين، أنّ «مثيري الفتنة بين العراقيين هم نفر ضال أغاظهم توحّد أبناء الشعب ضد الارهاب».
وفي السياق، قال زعيم «التيار الصدري»، السيّد مقتدى الصدر، «اليوم بدل أن نقف وقفة العز والإباء لنجدد النهج المحمدي الأصيل... صار بعض المحسوبين عليهم زوراً وبهتاناً يعمدون إلى تأجيج الطائفية والاعتداء على الأبرياء من أهالي مدينة الأعظمية»، مضيفاً أنّ «كل هذه الأفعال المشينة الوقحة إنما هي خارجة عن أخلاق أهل البيت... وإن كان شذاذ الآفاق ممن هم لا ينتمون إلى تشيع ولا تسنن يعتدون علينا، فذلك لا يعطينا الحق بالاعتداء على أهل الاعتدال من التسنن، ولا يعطينا الحق بالاعتداء على أحد لم يواجهنا في سوح القتال».
الحكومة تسارع
إلى الاحتواء والصدر يهاجم «شذاذ الآفاق»

الصور الأولية المتناقلة أظهرت دخاناً ونيراناً في مدينة الأعظمية المجاورة للكاظمية، والتي تضم مرقد الإمام أبو حنيفة، وكانت مسرحاً للأحداث الأمنية وعمليات القتل والخطف والكمائن إبان فترة التوترات الطائفية التي شهدتها البلاد بين عامي 2005 و2007. ومع ساعات الصباح الأولى بدأت تظهر تدريجياً آثار أحداث الشغب، لتثير تساؤلات محفوفة بالقلق حيال عودة شبح الفتنة الطائفية الى المدينتين اللتين تتمتعان بوضع حساس للغاية.
واستناداً إلى الرواية الرسمية التي أعلنها قائد عمليات بغداد، الفريق الركن عبد الأمير الشمري، يمكن استنتاج وجود «مؤامرة» ومخطط مدبّر له سلفاً من قبل جهات لا بد أن تكون مستفيدة من إشتعال الأوضاع ومن إحراج الحكومة ورئيسها حيدر العبادي.
وأشار الشمري، في مؤتمر صحافي عقده في «العتبة الكاظمية» بحضور أمينها العام ورئيس ديوان الوقف الشيعي علاء الموسوي، إلى أن شائعات سرت بعد منتصف الليل في أربع مناطق (ساحة عدن، ساحة محمد الجواد، ومنطقة المبنى الحكومي الذي أحرق، والعطيفية) تفيد بوجود انتحاريين يرومون تفجير أنفسهم وسط الزائرين، أعقبتها حال من الإرباك والتدافع تمت السيطرة عليه، «لكننا فوجئنا بمحاولة البعض اقتحام مبنى هيئة إدارة واستثمار أموال الوقف السنّي واعتلاء البعض لأسطح المنازل»، ما أدى لاحقاً إلى نشوب حريق في المبنى.
الشمري لم يتهم أي جهة بالوقوف وراء الحادثة، حتى تنظيم «داعش» التي تسارع السلطات في مثل هكذا أحداث الى اتهامه، بل أكد اعتقال 15 متورطاً ومشتبهاً فيه.
أما رواية «الوقف السنّي» فلم تختلف كثيراً عن الرواية الرسمية، لكن «الوقف» اتهم، على لسان رئيسه محمود الصميدعي، الذي خرج بمؤتمر صحافي من أربيل، «عصابات إجرامية» بالدخول إلى الأعظمية حاملة أدوات متفجرة لحرق المبنى، فيما «طمأن» الجميع إلى أن الوثائق والأوراق الرسمية تم حفظها ولم تصل اليها النيران، موضحاً في الوقت ذاته أن الأضرار اقتصرت على الجدران والآليات.
في موازة ذلك، رأى رئيس لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي والقيادي البارز في «التيار الصدري»، حاكم الزاملي، في حديث إلى «الأخبار»، أن الأحداث «مخطط ومعدّ لها مسبقاً، لكن جهود العقلاء والأجهزة الأمنية أفشلت ذلك».
في هذه الأثناء، قال مصدر أمني رفيع لـ»الأخبار» إن جهتين تقفان وراء هذه الحادثة، الأولى هي مجموعة من «الشباب المتشدد» قدموا من مدينة الخالص في محافظة ديالى، والأخرى هي «مجموعة الشاب الموتور ثائر الدراجي»، وهو الذي سبق أن أثار جدلاً واسعاً عندما قام بإطلاق هتافات طائفية وسبَّ الصحابة بالقرب من مرقد أبو حنيفة قبل نحو عامين، وتحوّل إلى ظاهرة.
الحكومة العراقية التي وضعتها الأحداث في موقف محرج للغاية، خصوصاً في ظل توالي الأزمات، سارعت إلى تطويق الأزمة وإنهائها، إذ قام رئيسها حيدر العبادي بزيارة مفاجئة لمدينة الأعظمية ومرقد الامام أبو حنيفة، والتقى بعدد من شيوخ وأعضاء المجمع الفقهي العراقي (الذي يعتبر مرجعية أهل السنّة في العراق)، متهماً جهات لم يسمّها بمحاولة خلق «فتنة» بين العراقيين بعد توحدهم ضد «داعش»، على حدّ قوله.
وتباينت مواقف القوى السياسية إزاء الحادثة، إذ عمل بعضها على الاستغلال إحرازاً للمكاسب عبر شد العصبيات. واتفقت تلك القوى على «قاسم مشترك» في ما بينها، وهو اتهام «ميليشيات شيعية» بالوقوف وراء الأحداث ومحاولة اقتحام مرقد أبو حنيفة. وفي هذا السياق، طالب نائب رئيس الجمهورية، أسامة النجيفي، بـ»تشكيل فوج من أهالي الأعظمية لحماية مقدساتهم»، مشدداً على ضرورة «التفكير جدياً في إبعاد خط سير الزائرين الكرام عن مدينة الأعظمية». إلى ذلك، كشف مصدر محلي من داخل مدينة الموصل لـ»الأخبار» عن قيام «داعش» بإجبار الأهالي على مشاهدة الفيديوات التي تظهر أعمال الحرق والشغب التي طالت المنازل، وقام التنظيم بعرضها عبر «النقاط الإعلامية» المنتشرة في المدينة، وأرفق الفيديوات بمؤثرات مونتاجية تحذّر الأهالي من الثقة بالحكومة والتعامل معها.
وفي وقت أجمع فيه محللون على أنّ المستهدف من الأحداث هو الحكومة نفسها، رأى الخبير الأمني المختص في شؤون الجماعات المسلحة، هشام الهاشمي، أن الأزمة التي أراد لها البعض أن تتسع قد انتهت بشكل نهائي، مستبعداً في حديث إلى «الأخبار» أن تكون لها تداعيات مستقبلية، «لأنها أرادت إحراج العبادي، لكنها فشلت».
في غضون ذلك، أنهى أكثر من «عشرة ملايين زائر» مراسم زيارة الإمام الكاظم، وسط استنفار أمني كبير، في خطة شارك في تأمينها نحو 75 ألف عنصر من الجيش والشرطة. وقال مصدر في «العتبة الكاظمية» لـ»الأخبار» إنّ «المدينة استقبلت ما يزيد على عشرة ملايين زائر، بينهم المئات من الزوار العرب والأجانب، طيلة الأيام الثلاثة الماضية».