لا يستثني الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز أحداً من مفاجآته المتتالية، عدواً كان أو صديقاً. آخرها وُجّه إلى الرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي دعاه مع قادة دول «مجلس التعاون الخليجي» إلى اجتماع في كامب ديفيد «لتبديد مخاوف الدول الخليجية من الاتفاق النووي المرتقب مع إيران». ردّ أخيراً بإعلان تغيبه، بعدما كان وزير الخارجية الأميركي جون كيري قد حصل على تأكيد بحضوره، أثناء وجوده في الرياض، الأسبوع الماضي. خطوة الملك كانت لها تردداتها في دول خليجية أخرى، أعلنت غياب قادتها عن القمة أيضاً.
وهي إضافة إلى ذلك أثارت امتعاضاً إعلامياً أميركياً، ظهر من خلال وصفها في بعض الصحف بأنها تنمّ عن «ازدراء» سعودي، الأمر الذي استوجب، أمس، إصدار تصريح سعودي متزامن مع بيان أميركي، للتأكيد أن عدم حضور سلمان ليس مؤشر خلاف بين الولايات المتحدة والسعودية.
أوباما لن يقدّم الى قادة الخليج أيّ تعهّد دفاعيّ ملزم لواشنطن

ففي الوقت الذي صرّح فيه وزير الخارجية السعودي عادل الجبير إلى الصحافيين في السفارة السعودية في واشنطن بأن غياب سلمان «ليس مرتبطاً بأي شكل من الأشكال بأي خلاف بين البلدين»، أعلن البيت الأبيض أن السعودية لم تعبّر عن أي بواعث قلق بشأن جدول الأعمال في قمة كامب ديفيد، سواء قبل أو بعدما غيّر الملك السعودي خططه وقرر عدم الحضور.
وقال المتحدث باسم البيت الأبيض، جوش ايرنست، إن الولايات المتحدة واثقة من أن المسؤولين السعوديين، الذي سيحضرون، سيكونون قادرين على تمثيل بلدانهم وتنفيذ أي قرارات تتخذ أثناء الاجتماعات.
وفي الاطار ذاته، اتصل أوباما بسلمان بحسب ما أفاد البيت الأبيض في وقت متأخر من مساء أمس.
في غياب سلمان، سيتولى ولي العهد محمد بن نايف رئاسة الوفد الذي سيشارك فيه ولي ولي العهد ووزير الدفاع محمد بن سلمان، بحسب ما أعلن الجبير، في بيان نشرته سفارة السعودية، الأحد، في واشنطن.
وفيما دُعي ستة من قادة «مجلس التعاون الخليجي» إلى البيت الأبيض، في 13 أيار، ومن المفترض أن يشاركوا في اليوم التالي في قمة في المقر الرئاسي في كامب ديفيد، إلا أن اثنين فقط من هؤلاء القادة ــ هم أمير الكويت صباح الأحمد الصباح وأمير قطر تميم بن حمد آل خليفة ــ سيتوجهان إلى واشنطن. ويعني ذلك أيضاً أن اللقاء الذي كان قد أعلنه المتحدث باسم البيت الأبيض إريك شولتز بين أوباما وسلمان، في واشنطن، لن يتم.
كذلك، أعلنت مصادر رسمية أن ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة لن يحضر القمة، وسيمثله ولي العهد سلمان بن حمد آل خليفة. أما سلطان عمان قابوس بن سعيد فسيمثله نائب رئيس الوزراء فهد بن محمود آل سعيد، وسينوب ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد آل نهيان عن الشيخ خليفة الذي يعاني من وعكة صحية، في تمثيل الإمارات.
وزير الخارجية السعودي كان قد أوضح، الأحد، أن سلمان سيغيب عن القمة «بسبب موعد القمة والجدول الزمني لوقف إطلاق النار في اليمن وتدشين مركز الملك سلمان للإغاثة الإنسانية». كذلك شدد على حرص الملك السعودي على «تحقيق الأمن والسلام في اليمن، وعلى سرعة تقديم المساعدات الإغاثية والإنسانية للشعب اليمني». ولكن بحسب ما يرى محللون، فإن كان قرار الملك سلمان يعني شيئاً، فهو عدم الرضى السعودي عن واشنطن.
صحيفة «واشنطن بوست» أشارت إلى أن الإعلان السعودي الأخير شكل «مفاجأة»، وذلك أن مسؤولاً كبيراً في الإدارة الأميركية ذكر أن الجبير أكد لنظيره الأميركي، الجمعة مساءً في باريس، أن سلمان سيتوجه إلى واشنطن، كذلك فإن الملك أنهى لقاءه مع كيري، الخميس في الرياض، قائلاً له «أراك الأسبوع المقبل».
ولكن الصحيفة أضافت، نقلاً عن مسؤول في الخارجية الأميركية، أن السعوديين أبلغوا الأميركيين «إمكان إحداث تغيير في المخطط، الجمعة ليلاً، ليؤكدوا السبت أن الملك لن يحضر إلى واشنطن».
المسؤول نفسه نفى أن يعدّ قرار سلمان البقاء في الرياض تجاهلاً. وقال «هناك صفر توتر»، موضحاً أنه «في الحقيقة، العلاقة قوية كما كانت في أوقات عدة».
كذلك، فقد أكد أحد المقرّبين من الحكومة السعودية أن السعوديين لم يتعمّدوا ازدراء الدعوة الأميركية، مضيفاً أنهم «لا يسعون إلى البعث برسالة ما». وأوضح أن القرار السعودي أتى بسبب الأوضاع في اليمن و«الطبيعة التقنية» للنقاشات المرتبطة بإيران، والتي «رأى الملك سلمان أن المسؤولين الكبار في الوفد... سيكونون أكثر قدرة على توليها».
أما في ما يتعلق بالتقارير التي كانت قد ذكرت أن الإدارة الأميركية قد تتفق مع الخليجيين على إمدادهم بأسلحة حديثة، إضافة إلى ضمان أمن الخليج باتفاق دفاعي، فقد قال مسؤولون أميركيون لصحيفة «لوس إنجلس تايمز» إن «ذلك لن يحصل».
وبحسب ما نقلت الصحيفة عن هؤلاء، «ستقدم الإدارة الأميركية التزاماً أميركياً أكبر في إطار دعم الدفاعات المضادة للصواريخ وحماية الحدود والنقل البحري، إضافة إلى محاربة الإرهاب في الخليج».
كذلك، فإن «أوباما سيقدم تعهّداً خطياً يؤكد بموجبه الالتزام بالدفاع عن حلفائه الخليجيين... ولكنه لن يكون على شاكلة معاهدة ملزمة قانونياً».
صحيفة «وول ستريت جورنال» رأت أن قرار سلمان يشي بأن الدول العربية ليست على الضفة نفسها مع الولايات المتحدة، «وقد تواصل العمل وحدها لمواجهة إيران». وذكرت الصحيفة أن السعودية والإمارات وقطر تسعى للحصول على أسلحة متطورة، من بينها أكثر الطائرات المقاتلة تطوراً وهي الـ«اف 35»، الأمر الذي يعقّده «التحالف الأميركي الاستراتيجي مع إسرائيل»، بحسب ما أشار مسؤولون أميركيون، خصوصاً أن تشريع الكونغرس يوصي بأن تحافظ إسرائيل على «التفوق العسكري النوعي بالنسبة إلى جيرانها، بما فيها السعودية».
(الأخبار)