بغداد | حتى أيام قليلة لم تكن النخيب المتنازع عليها بين كربلاء والأنبار حدثاً يستحق ذكره في وسائل الإعلام وأحاديث السياسيين في خضم اشتداد المواجهة والصراع مع تنظيم «داعش» الذي يسيطر يومياً على المزيد من مناطق محافظة الأنبار التي باتت بحكم الساقطة عسكرياً. لكن القرار الأخير لرئيس الحكومة، حيدر العبادي، بربطها بقيادة عمليات الفرات الأوسط ومقرها كربلاء، أحيا الصراع القديم الجديد بين الأنبار وكربلاء.
النخيب استحدثت في عام 1960 بعدما كانت في بدايات تأسيس الدولة العراقية الحديثة 1920 مجرد محط لبعض البدو الرحل ثم تحولت إلى مخفر شرطة، وتقع عند تقاطعها أهم الطرق إلى الجنوب من السعودية. وبحسب أحدث الإحصائيات، فإن عدد سكانها يربو على أربعة آلاف نسمة.
وتاريخياً، تشير مصادر إلى أن الحجاج بن يوسف الثقفي أسسها في عام 85 للهجرة الموافق 704 للميلاد، وسميت بهذا الاسم بعد أن حفر فيها أول الآبار حيث كانت طريقاً لحجاج العراق وخراسان إلى مكة والمدينة. كذلك مثلت النخيب استراحة للجيوش الإسلامية في حروب الفتوحات، كان آخرها معركة القادسية 636 ميلادية.

تعود بدايات المواجهة والصراع والصدام بين الأنبار وكربلاء حول النخيب إلى أيلول 2011 عندما اختطفت مجموعة مسلحة حافلة تقل أكثر من 30 شخصاً، بينهم ثماني نساء وأطفال، في إحدى مناطق النخيب التي تسمى «الوادي القذر»، وتبعد نحو 400 كم عن مركز الأنبار (الرمادي). بعدها عثرت قوة أمنية على جثث 22 شخصاً من ركاب الحافلة التي اختطفت والتي تبين لاحقاً أن غالبيتهم من أهالي مدينة كربلاء، واثنين من الفلوجة التي تخضع منذ أكثر من عام ونصف عام لسيطرة مطلقة من قبل «داعش».
تعود بدايات المواجهة بين الأنبار وكربلاء حول النخيب إلى أيلول 2011

تداعيات الحادثة دفعت بأحد اعضاء الحكومة المحلية، محمد الموسوي، إلى القيام بما يشبه عملية اقتحام للناحية مع عدد من أفراد حمايته واعتقال سبعة أشخاص قيل إنهم متورطون بالحادثة، إلا أنه أطلق سراحهم بوساطة قيادات سنية بارزة.
ولم تنته عمليات الخطف والكمائن التي كانت تنصب للمسافرين عند تلك الحادثة، حيث أقدمت مجموعة مسلحة على إعدام 14 شخصاً رمياً بالرصاص، غالبيتهم من عناصر الأمن وحرس الحدود، ما جعل طريق النخيب يتحول الى «طريق اشباح».
في بدايات الانهيار الأمني الذي حدث في الأنبار مطلع العام الماضي، على إثر فض ساحات الاعتصام، لم تشهد النخيب أحداثاً أمنية لافتة تستحق التغطية الاخبارية، بل واختفت أخبارها تماماً من شريط الأحداث اليومية، حيث لم يتمكن «داعش» من السيطرة عليها لأسباب عديدة، أبرزها بعدها عن الأنبار وقربها من كربلاء والدفع بتعزيزات عسكرية كبيرة نحوها.
لكن قرار العبادي الأخير جعل الاوضاع تتأزم أكثر، خصوصاً في ظل الانقسام الموجود أصلاً بشأن «الحشد الشعبي»، وصلت هذه المرة الى حد التهديد بـ«قطع اليد التي تمتد للنخيب» حسب ما أعلن ما يسمى «اتحاد العشائر العربية» الذي يتخذ من اربيل في اقليم كردستان مقراً لتحركاته وانطلاقته وترى فيه اوساط سنية معتدلة بأنه متعاطف مع «داعش».
بغداد من جانبها سارعت الى تطويق الأزمة قبل اتساعها وقررت ربط جميع القطعات العسكرية هناك بقيادة عمليات الجزيرة والبادية المسؤولة عن الأنبار وسحب قوات «الحشد الشعبي»، ما ادى الى ارتياح في اوساط سنية معينة. فقد أكد عضو لجنة الأمن والدفاع بمجلس النواب العراقي والقيادي البارز في «اتحاد القوى»، محمد الكربولي، أن القرار أسهم بإعادة الأوضاع الى طبيعتها في المدينة، معلناً في حديث لـ«الأخبار» زوال الخطر عن النخيب.
من جهة أخرى، قال عضو الحكومة المحلية في الأنبار، راجع العيساوي، إنه «بعد الاتصالات التي اجراها محافظ الانبار صهيب الراوي واجتماعه مع رئيس الوزراء حيدر العبادي اتفق الجانبان على تسوية هذه المسألة على ان تكون القوة التي دخلت الى منطقة النخيب بإمرة قيادة عمليات الجزيرة والبادية». وبين العيساوي في حديثه لـ«الأخبار» أنه «جرى الاتفاق أيضاً على سحب قوات الحشد الشعبي من المنطقة».
في غضون ذلك، أكد رئيس اللجنة الأمنية في مجلس محافظة كربلاء، عقيل المسعودي، أن لا نية لمدينته بضم النخيب اليها. المسعودي أوضح في حديث لـ«الاخبار»، أن القوات الأمنية و«الحشد» دخلت إلى النخيب نتيجة للتطورات الامنية الاخيرة وبسبب وجود حدود مشتركة بين كربلاء والأنبار لصد أي هجمة محتملة من قبل «داعش» على كربلاء التي تعتبر هدفاً استراتيجياً للتنظيم.
وبالرغم من إخماد فتنة كانت متوقعة، إلا ان محللين ومراقبين اعتبروا تلك القضية عبارة عن حلول «ترقيعية»، وسرعان ما ستطفو الازمة مجدداً في ظل اشتداد المعارك وعدم وجود بوادر لحسم المعركة، ما يؤهل المدينة لأن «تكون كشمير جديدة» ليس لكربلاء والأنبار فحسب، بل ربما ألقت بظلالها السلبية على المنطقة لحساسية موقعها الجغرافي لقربها من السعودية.
ورأى المحلل السياسي، حيدر الموسوي، أن النخيب ستبقى على الامد المنظور منطقة «صراع» بين الأنبار وكربلاء، مشيراً في حديثه لـ«الأخبار»، إلى أن «الطرف الرسمي العراقي، ممثلاً بالحكومة، وحتى المرجعية الدينية، يرفضان تصوير ما يجري على أنه صراع».
وتوقع الموسوي أن تكون النخيب منطلقاً لعمليات عسكرية كبرى لقوات الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» ضد «داعش»، مؤكداً ان الاطراف المتنازعة ستصل الى حلول وتسويات بعد انتهاء ازمة «داعش».