في الرابع من الشهر الجاري، كشفت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أن المؤسسة الأمنية في إسرائيل راضية تماماً عن أداء المسلحين في سوريا، بما يشمل تنظيم «القاعدة» («جبهة النصرة»)، والفصائل «الجهادية» الأخرى التي تقاتل الجيش السوري. وأشارت الى أنّ الوضع على الحدود، وتحديداً في المناطق التي تسيطر عليها «النصرة»، هادئ وآمن، مع سيطرة استخبارية هائلة للجيش الاسرائيلي، من دون تسجيل أي حادث أو هجوم ضد إسرائيل.
أمس، وجهت تل أبيب عبر صحيفة «هآرتس» نصيحة لـ«جبهة النصرة»: «اتركوا تنظيم القاعدة وخذوا الدعم الأميركي، بما يشمل التدريب في المعسكرات القائمة في الأردن والسعودية وتركيا، إضافة الى رفع التنظيم عن لوائح الإرهاب الأميركية».
«نصيحة» الصحيفة وردت في سياق تقرير تحليلي عن التطورات الأخيرة في الساحة السورية، والنجاحات التكتيكية التي حققتها فصائل «الجهاديين» و«الجيش الحر»، في مدينتي إدلب وجسر الشغور. ولفت التقرير الى أنّ أهم التطورات المسجلة أخيراً في الميدان هي سيطرة المعارضة بمختلف فصائلها، على معظم المعابر الحدودية بين سوريا وتركيا، وبينها والعراق والأردن، الأمر الذي جعل من سوريا «دولة شبه معزولة مادياً واقتصادياً»، مع تراجع حركة التجارة مع لبنان، وتقلّص حجم الإنتاج السوري من النفط.
لكن هل تكفي التطورات الأخيرة التي تصبّ في مصلحة أعداء الرئيس بشار الأسد في الداخل والخارج، لإسقاط النظام؟ سؤال طرحته الصحيفة، إلا أنها امتنعت عن الإجابة المباشرة، لتظهر، بصورة غير مباشرة، أن الحرب طويلة، ونهايتها في أيدي العوامل الخارجية المؤثرة: بين جهات تريد إسقاط الأسد بأي ثمن، ولا مجال للمناورة معها، وبين جهات أخرى ترى حلاًً سياسياً ما، مع أو من دون الرئيس السوري.
النجاحات الأخيرة للفصائل المختلفة، وتحديداً في إدلب وجسر الشغور، من شأنها أن تحدث انعطافة لا تؤثر فقط إيجاباً على معنويات الميليشيات التي تقاتل الجيش السوري وحسب، بل أيضاً من شأنها أن تحدث تغييراً ما في سياسة الدول الخليجية والولايات المتحدة تجاه قوات المعارضة، وذلك بعد سنوات من فشل الخليجيين ومعاناتهم وعدم التنسيق في ما بينهم. وبحسب «هآرتس»، فإن «الخصومات السياسية والتكتيكية بين الميليشيات، ودخول تنظيم داعش كعنصر فاعل في المعركة، وفشل المعارضة السياسية في خلق جبهة موحدة ضد الأسد، باعدت ما بين هذه الميليشيات وفرّقت بينها، الى مناطق احتلال خاصة بكل واحدة منها».
وتؤكد الصحيفة أن الفرصة كامنة في هذه المرحلة تحديداً، لتوحيد فصائل المعارضة على اختلافها، وفي هذا الإطار تأتي محاولة قطر لإقناع «جبهة النصرة» بالانفصال عن «القاعدة» والارتباط بـ«الجيش السوري الحر»، أو على الأقل بالميليشيات الجهادية الأخرى مثل «الجبهة الإسلامية» التي «تعتبر معتدلة نسبياً».
و«في حال انفصال النصرة عن القاعدة، ستحظى بالشرعية من الولايات المتحدة ورفع اسمها عن قائمة الإرهاب، ولاحقاً تزويد مقاتليها بالدعم، وكذلك ضمهم الى التدريبات في الأردن والسعودية وتركيا»، وهذه الفكرة ممكنة، بحسب الصحيفة، وخاصة أن «النصرة لا تستبعد فكرة الانفصال عن القاعدة، إذ إنها تعتمد على مقاتلين سوريين، بينما داعش يعتمد على متطوعين أجانب، كما أنها (النصرة) نسقت نشاطاتها في العديد من المرات مع ميليشيات أخرى، وقاتلت داعش». وماذا عن العوامل الخارجية الأكثر تأثيراً من الميدان السوري نفسه؟ تشير «هآرتس» الى أن الجبهة الداخلية في سوريا غير منفصلة عن الأطر الخارجية التي تشمل دولاً عربية وغربية، والتي فشلت وبعيدة كل البعد، حتى الآن، عن صوغ آلية مشتركة لأهداف الحرب ولطبيعة الحل المطلوب في سوريا، إذ «بعدما كرر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، التأكيد على أن الأسد هو جزء من الحل ويجب التعاون مع نظامه ومباشرة حوار سياسي معه، أكد الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز أنه لا مكان للأسد في الحل المستقبلي... وكل ذلك في موازاة موقف أميركي يتمسك بعدم شرعية الأسد، لكن مع انفتاح واشنطن على أي اقتراح مناسب، حتى لو جاء من روسيا أو من إيران».
وتكشف الصحيفة أن هناك من يعتقد، داخل الإدارة الأميركية، بأن الأسد عامل إيجابي في الحرب على «داعش»، بل إن الولايات المتحدة خفّفت أخيراً من دعمها للميليشيات المعارضة في سوريا، رغم أنها لا تزال حتى الآن تموّل جزءاً كبيراً من التدريبات والإرشادات العسكرية لقوات المعارضة، كما أنها تعارض التوجهات التركية ومسعى أنقرة لإسقاط الأسد كهدف أولي.
وأمام هذه العوامل الخارجية المتنابذة والمتعارضة، العربية والغربية، التي فشلت حتى الآن في التوصل الى سياسة مشتركة إزاء الساحة السورية، يبدو أن المملكة العربية السعودية هي «الآلة المحرّكة» للحل، فقبل أيام معدودة من لقاء زعماء الدول الخليجية بالرئيس الأميركي باراك أوباما في «كامب ديفيد»، على خلفية الاتفاق النووي المرتقب مع إيران، «يبدو أن في نية الرياض أيضاً توجيه رسالة الى طهران حول الموضوع السوري، بأن الدول الخليجية وبشكل خاص السعودية، على استعداد لدراسة علاقاتها بإيران، مقابل حل الأزمة السورية».