يعكس الميدان اليمني بوضوح مستوى المأزق الذي وقع فيه العدوان السعودي على اليمن، وانسداد الدروب أمام مواصلة العمليات العسكرية التي تبدو عبثيةً اليوم، أكثر من أي وقتٍ منذ بدئها قبل أكثر من شهر. وعلى وقع الإنجازات التي يحققها الجيش و«أنصار الله» في مدينة عدن، التي شهدت 150 غارة للتحالف في أقل من 48 ساعة، وحيث تمكنوا يوم أمس من بسط السيطرة الكاملة على منطقة التواهي المهمة، تبحث الرياض عن «هدنة إنسانية» عاجلة، وذلك مع ارتفاع الضغوط الدولية عليها، نظراً إلى تدهور الأزمة الإنسانية في اليمن، مع نفاذ المواد الأولية.
هذه المعطيات تتزامن مع القمة الخليجية التي ستُعقد اليوم، بحضور الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، وتسبق زيارة وزير الخارجية جون كيري للرياض يوم غد، حيث من المتوقع أن يمثل هذا الحراك نقطة انتقال إلى مرحلةٍ تعيد تأطير عمل التحالف مستقبلاً، ولكن هذه المرة مع دورٍ أكبر محتمل لواشنطن وباريس.
في هذا الوقت، أعلنت السنغال مساء أمس، أن «الدول الواقعة في غرب أفريقيا سترسل 2100 جندي إلى السعودية للانضمام الى التحالف»، وذلك على لسان الوزير مانكير ندياي الذي أكد أن التحالف «يسعى إلى الدفاع عن المقدسات في مكة والمدينة». هذا الإعلان يأتي في وقتٍ ازدادت فيه التساؤلات عن إمكانية تنفيذ عمليةٍ برية يبدو لا مفرّ منها كي يحقق التحالف أهدافه، وفي طليعتها إعادة الرئيس اليمني الفار عبد ربه منصور هادي إلى عدن حيث اتضح أن إنزال بعض المقاتلين بين السبت والأحد جاء لسدّ حاجة المقاتلين المؤيدين لهادي الذين يفتقدون الخبرة القتالية والقيادة والعاجزين عن تحقيق تقدمٍ فعلي على الجيش والحوثيين في الجنوب. وفي السياق، أعلن وزير الخارجية اليمني بالوكالة، رياض ياسين، أن القوات المنتشرة في عدن، هي قوات خاصة يمنية وليست أجنبية، إنما أعيد تدريبها في دولٍ خليجية.
تبحث الرياض عن «هدنة
إنسانية» عاجلة مع ارتفاع الضغوط الدولية عليها

وبعد حضوره في الدوحة توقيع عقد بيع قطر طائرات «رافال» الفرنسية، وصل هولاند إلى السعودية، يوم أمس، لعقد لقاءات مع الملك سلمان وهادي، قبل حضوره قمة مجلس التعاون الخليجي كـ«ضيف شرف»، في سابقةٍ من نوعها منذ تأسيس المجلس. ومن المقرر أن يجري التوقيع خلال هذه الزيارة على إعلان فرنسي سعودي يتضمن «خريطة طريق» سياسية واقتصادية واستراتيجية وعسكرية، حسب ما أعلنت الرئاسة الفرنسية.
وفي وقتٍ بلغ فيه الوضع الانساني ذروته في الأيام الماضية، مع النقص الحاد في المحروقات وانقطاع المياه والكهرباء، أعلنت الرياض يوم أمس، أنها تتشاور مع شركائها في التحالف لوقف ضرب بعض المناطق بهدف فسح المجال أمام نقل المساعدات الانسانية. وقال وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، إن الرياض بصدد العمل «لإيجاد مناطق محددة داخل اليمن لإيصال المساعدات الإنسانية، تُوقَف فيها العمليات الجوية كافة وفي أوقات محددة للسماح بإيصال هذه المساعدات». وحذر الجبير، في بيان، من «استغلال وقف العمليات الجوية في هذه المناطق، أو منع وصول المساعدات إليها، أو محاولة استغلالها لتحقيق مآربها»، مؤكداً أن المملكة «ستتعامل مع أي انتهاكات باستئناف القصف الجوي لأي تحركات عدوانية تعرقل هذه الجهود الإنسانية». وقال أيضاً إن السعودية «تعتزم إنشاء مركز موحد على أراضيها مهمته تنسيق كافة جهود تقديم المساعدات بين الأمم المتحدة، والمنظمات الإنسانية المعنية، والدول الراغبة في تقديم المساعدات للشعب اليمني، بما في ذلك تمكين الأمم المتحدة من إيصال المساعدات»، كما ذكرت وكالة الأنباء السعودية. كذلك، بحث رئيس الحكومة المستقيلة، خالد بحاح، يوم أمس، مع مستشار السلطان العماني، شهاب بن طارق، في جهود الإغاثة في اليمن.
وبحسب ما نشره على موقع «فايسبوك»، قدم بحاح شرحاً عن مجريات الأحداث في اليمن، وأولويات الحكومة المتمثّلة بالعمليات الإغاثية، ونقل العالقين وعودتهم إلى وطنهم، وكذلك علاج الجرحى. وفيما نوه بالدور الذي تلعبه عمان في سبيل عودة الاستقرار إلى اليمن، ودعمها لاستئناف العملية السياسية، تحدثت عن آلية التنسيق بين حكومته والسلطنة في ما يتعلق بالمشتقات النفطية والمواد الإغاثية العاجلة التي يتطلب دخولها إلى اليمن في أسرع وقت.
ميدانياً، قالت مصادر عسكرية، إن طيران العدوان السعودي الأميركي شنّ أكثر من 150 غارة خلال الـ 48 ساعة الماضية على مناطق متفرقة في عدن. وأفاد مصدر عسكري في حديثٍ إلى «الأخبار» (علي جاحز)، بأن عدن شهدت أمس انهيارات واسعة في صفوف «القاعدة» أمام تقدم كبير للجيش والأمن و«اللجان الشعبية» في أكثر من منطقة منها دار سعد والبريقة والتواهي. وفيما كانت جبهة البريقة والتواهي عصية طوال الاسبوعين الماضيين، أكد المصدر العسكري سيطرة الجيش و«اللجان» على معظم التلال والجبال في منطقة التواهي والعثور على مخازن أسلحة كبيرة تابعة لـ«القاعدة» وميليشيات هادي بينها أسلحة سعودية. وفي سؤالٍ عن مصير المنطقة العسكرية التي يعلن مسؤولون تابعون لهادي تشكيل قيادة موالية له فيها، أكد المصدر العسكري أن هناك تقدماً باتجاه مقر قيادة المنطقة العسكرية الرابعة في التواهي. كذلك، تمكنت القوات البحرية التابعة للجيش اليمني في عدن من احتجاز زورقين حربيين أجنبيين كانا يقومان بعمليات استطلاعية على سواحل عدن وعلى متنهما مجموعة من الجنود الأجانب.
(الأخبار، أ ف ب، رويترز، الأناضول)