عبّر اليهود الفلاشا في إسرائيل (اليهود المنحدرون من أصل إثيوبي)، عن رفضهم للتمييز العنصري المزمن بحقهم، عبر تسيير تظاهرات في اليومين الماضيين، عمت شوارع عدد من المدن الإسرائيلية، ومن بينها تل ابيب، التي شهدت اكبر التظاهرات تنديداً بالتمييز، وتحولت الى اعمال عنف ومواجهات مع الشرطة الاسرائيلية، ادت الى سقوط العشرات من الجرحى من الجانبين.الا ان الاحتجاجات التي لاقت "تفهماً وتضامناً" من قبل الإعلام العبري، بل ومن رئيس الحكومة الاسرائيلية، بنيامين نتنياهو، الذي دعا إلى القضاء على العنصرية بحق الإثيوبيين، لا يمكنها ان تلغي تمييزاً عنصرياً مبنياً على نظرة فوقية للإسرائيليين ضد "اليهود السود"، ولا النظرة الدونية التي يحملها هؤلاء عن انفسهم، مقارنة بغيرهم في "المواطنة".

الاحتجاجات الإثيوبية ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة. وهذه المرة أيضاً ستعمد الحكومة الإسرائيلية، كما في كل مرة، الى المهدئات وتطييب خواطر الفلاشا، بانتظار الانفجار المقبل. فلا الفلاشا قادرون على تغيير الواقع باحتجاجاتهم، ولا الحكومة، حتى ولو سعت، بقادرة ايضاً على تغيير نفوس الاسرائيليين واستعلائهم.
الا ان احتجاجات هذه المرة كانت لافتة، وبحسب المعلقين الاسرائيليين غير مسبوقة في عنفها، وجاءت شرارتها على خلفية مشاهد مصورة بثها الإعلام العبري، عن جندي من اصل اثيوبي، وبزيه العسكري، يتعرض للضرب المبرح من قبل الشرطة الاسرائيلية، الأمر الذي اثار حفيظة الفلاشا، الذين خرجوا في تظاهرات منددة، سرعان ما وصلت الى تل ابيب، حيث شهدت مظاهرة كبرى، ادت الى اغلاق الطرقات الرئيسية في المدينة، وتحولت لاحقاً الى اعمال شغب ومواجهات، بعد ان وصل المتظاهرون الى ميدان اسحاق رابين، المكان الذي يعد مركز التظاهر الرئيسي في اسرائيل.
واستخدمت الشرطة الاسرائيلية "وسائل تفريق متطورة" ضد المتظاهرين، بما يشمل قنابل الصدمة والغاز المسيل للدموع، اضافة الى مهاجمة المتظاهرين من قبل الخيالة، وضربهم بالعصي والهراوات، فيما رد المتظاهرون على الشرطة بالمثل، الأمر الذي ادى الى سقوط ما يقرب من خمسين جريحاً لدى الجانبين واعتقال العشرات. وفيما اكدت الشرطة ان عدد المحتجين في تل ابيب وصل الى ثلاثة آلاف، أكدت وسائل الإعلام العبرية ان العدد تجاوز عشرة آلاف.
وفي حملة تهدف الى تخفيف التوتر، اطلق نتنياهو تصريحاً دعا فيه الى "القضاء على العنصرية" بحق الفلاشا، ووزع مكتبه صوراً جمعته بالجندي الإثيوبي الذي سبب ضربه شرارة انطلاق المواجهات. وقال نتنياهو حسب ما جاء في بيان صادر عن مكتبه في ختام لقاء مع ممثلين عن الفلاشا: "علينا ان نكون موحدين ضد ظاهرة العنصرية والتنديد بها والقضاء عليها". واضاف البيان ان رئيس الوزراء كلف لجنة وزارية لمعالجة مشاكل الاندماج التي يعاني منها الإسرائيليون من أصول اثيوبية، خاصة في مجالات التعليم والاسكان والعمل.
وبثت وسائل الإعلام العبرية مشاهد من لقاء نتنياهو والجندي الاثيوبي، اكد له ان "الامور يجب أن تتغير"، واضاف انه "سيتم درس كل الشكاوى" المقدمة ضد الشرطة، لكنه أكد في المقابل ان على المحتجين الهدوء، اذ "ليس هناك أي مكان للعنف".
لكن هل تستمر التظاهرات والاحتجاجات، أم انها ستخبو كما في كل مرة؟ لا تشير التقديرات السائدة في تل ابيب الى امكان ان تعمر الاحتجاجات، وهي ستنتهي كما في المرات السابقة، مع وعود فارغة بالمعالجة. والمرة الاولى التي انفجر الفلاشا غاضبين ونزلوا الى الشوارع، كان في عام 1994، في اعقاب تقرير نشر في صحيفة "معاريف"، كشف انهم في المستشفيات لا يسمحون للفلاشا بالتبرع بالدم، واذا حدث أن تبرع احدهم لضرورة ما، فإنه يجري إتلاف الدمار بالخفاء. اما المرة الثانية فكانت في عام 2012، بعد ان كشف الإعلام العبري عن ان سكان احد احياء مدينة كريات ملاخي يرفضون بالإجماع اسكان اي من الفلاشا في حيّهم، وذلك بحجة انهم "نتنون".
وكما حدث بالامس، ايضاً حدث في المرات السابقة. وللمفارقة، كان نتنياهو في عام 2012 رئيساً للحكومة، وفي حينه ادلى بتصريحات مشابهة لما ادلى به الان، بل وامر بتشكيل لجنة لإنهاء ظاهرة التمييز بحق الاثيوبيين، وشيء من هذا لم يحصل.
ويعيش أكثر من 135 ألف من اليهود الفلاشا في إسرائيل، هاجروا اليها على دفعات بين 1984 و1991. وتشير معطيات "الجمعية الإسرائيلية لليهود الاثيوبيين" إن متوسط دخل اليهودي الاثيوبي في إسرائيل يقل بمعدل 40 بالمئة عن متوسط الدخل العام، ويعيش اكثر من ثلث الاسر الاثيوبية تحت خط الفقر 38,5 بالمئة، مقابل نسبة 14,3 بالمئة لدى اليهود من اصول شرقية او غربية.
وبحسب المعطيات: 53 بالمئة من ارباب العمل لا يستخدمون عمالاً من الفلاشا؛ 40 بالمئة من المسجونين في سجن اوفاكيم للقاصرين هم من اصل اثيوبي، رغم ان نسبة هذه الفئة العمرية لا تتجاوز 2 بالمئة من نفس الفئة لدى اليهود الآخرين؛ 50 بالمئة من الجنود الاثيوبيين دخلوا السجون العسكرية؛ لا يوجد اي ضابط من الفلاشا في الجيش الاسرائيلي في مراتب عليا؛ نسبة البطالة لدى الفلاشا تبلغ ضعفي المعدل لدى الاسرائيليين. وطفت على السطح في السنوات الأخيرة ممارسات عنصرية إسرائيلية ضد الإثيوبيين كرفض استيعاب طلاب إثيوبيين في المدارس ودور الحضانة للاطفال، وممارسات عنصرية في المؤسسات الرسمية وفي الشوارع والنوادي. وقال معلقون إسرائيليون ان هذه الاحتجاجات كانت مرتقبة منذ سنوات، وكانت شبه حتمية.
وبحسب الناطقة باسم الجمعية، حاغيت حوفاف، فإن "انفجار العنف يوم الاحد لا يأتي فقط ضد العنف الذي تمارسه الشرطة، ولكنه يمثل الغضب ضد التمييز"، مشيرة إلى أن اليهود الإثيوبيين "يرغبون في ان يكونوا اسرائيليين بشكل كامل، والتمتع بفرص متكافئة" مع غيرهم. وقال وندي اكالي (54 عاماً) وهو مدير عام المنظمات الإثيوبية في اسرائيل: "لقد طفح الكيل". واضاف: "يشعر الشبان من مجتمعنا الذين ولدوا هنا وأدوا خدمتهم العسكرية، بأنهم مستثنون من كل شيء، والسبب يعود فقط الى لون بشرتهم، اذ إن المجتمع الاسرائيلي يعزلنا في غيتو".