القاهرة | يبدو أن مطالبة الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، الإعلام، بانتقاده وعدم صناعة فرعون جديد منه، بدأت تنقلب، إذ إن رفضه «عبارات الإطراء والمديح» التي تصاعدت في عدد من المنابر الإعلامية أخيراً وانتقدها السيسي نفسه خلال حديثه الأخير في عيد العمال قبل أيام، لم تكن على ما يبدو سوى وجهة نظره الشخصية فحسب، مقابل تصرفات الفريق الرئاسي من حوله مع الإعلاميين!
يمكن فهم أن حديث السيسي جاء للدفاع عن منتقديه من الإعلاميين الذين سبق أن أيدوا عزل الرئيس الإخواني محمد مرسي، قبل أن يدعموا خطوة ترشحه للانتخابات الرئاسية في وقت لاحق، وخاصة أن مؤيديه صعدوا نبرة التخوين باتجاه المعارضين الذين ازدادت أعدادهم مع اقتراب الرئيس من استكمال عامه الأول على كرسي السلطة، رغم غياب أي تحسن ملحوظ في التعامل مع الأزمات أو الأوضاع الاقتصادية، فضلاً عن غياب البرلمان والتباطؤ الملحوظ في إجراء العملية الانتخابية التي كان يفترض أن تحصل قبل نهاية العام الماضي.
أما اليوم، فاللافت أن وسائل الإعلام الخاصة التي توحدت لدعم السيسي في جولاته الخارجية ومرافقته لم تظهر بوضوح في آخر جولتين له في الخارج: الأولى خلال زيارته العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، والثانية في جولته التي شملت قبرص وإسبانيا واختتمت أمس، إذ غابت عنها تغطية القنوات الخاصة باستثناء «صدى البلد» التي يمتلكها رجل الأعمال محمد أبو العينين، المحسوب على نظام حسني مبارك، وبرز فيها الإعلامي أحمد موسى، المحسوب على الجهاز الأمني، باعتباره المذيع الوحيد المرافق للرئيس.
إذن، غاب الإعلاميون المؤيدون للسيسي عن المشهد الخارجي في الجولات التي نقلوها من قبل باعتبارها زيارات تاريخية للزعيم المصري الجديد، ولكن حالة الغضب هذه المرة جاءت مرتبطة بدرجة أولى بالتصعيد ضد الرئيس الذي تزامن مع غضب الفريق المحيط بالسيسي من الإعلاميين.
لا يصدق الفريق الرئاسي أن الإعلاميين، الذين كانوا حتى وقت قريب يكتفون بوقوف الرئيس معهم عدة دقائق على هامش الجولات الخارجية، أصبحوا معارضين شرسين في برامج «التوك شو» التي تراجعت نسب المشاهدة لها بصورة كبيرة، وفق دراسات، لمصلحة برامج الترفيه، وذلك بعد اشتراك القنوات المصرية الخاصة في الإشادة بالرئيس واقتصار الانتقادات على الحكومة في أضيق الحدود.
كذلك لم يكن انتقاد الإعلاميين للرئيس مقتصراً على شبه اتفاق غير معلن تزامن مع تصعيد وتيرة الانتقادات ومطالبته بالتدخل الحاسم في قضايا عديدة فحسب، ولكنه ارتبط بالإحجام الجماعي عن مرافقته في زيارته الخارجية! فبرغم تبرير بعض مالكي القنوات الفضائية أن السبب الرئيسي هو ترشيد النفقات، فإن الحقيقة أن الخلافات مع الفريق الرئاسي هي السبب الذي دفعهم إلى طلب لقاء يجمعهم والسيسي قريباً، وخاصة أن آخر لقاء كان في تشرين الثاني الماضي.
في المقابل، لم يضع الفريق الرئاسي على أجندة السيسي اللقاءات مع الإعلاميين كما وعدهم الرجل برؤيتهم دورياً، فقد غابت اللقاءات وتصاعدت الانتقادات لدرجة جعلت كثيرين ينتظر لقاءً مع الرئيس قبل الاحتفال بمرور عام على توليه المنصب في الثامن من حزيران المقبل، من أجل عرض وجهة نظرهم وانتظار ردوده على انتقادات الشارع التي تصاعدت في الأسابيع الأخيرة وأدت إلى تراجع شعبيته بصورة ملحوظة.