أثار ضم رموز أمنيين من نظام الرئيس التونسي المخلوع، زين العابدين بن علي، أدين بعضهم بالمسؤولية عن مقتل المتظاهرين في كانون الثاني 2011، إلى "مجلس حكماء المؤسسة الأمنية" المستحدثة، جدلاً في الشارع السياسي التونسي، بين القبول والرفض.وأعلن اتحاد نقابات الأمن الداخلي (مستقل)، الثلاثاء الماضي، استحداث هيئة "حكماء المؤسسة الأمنية"، تهدف إلى "إصلاح" المنظومة الأمنية، برئاسة الجنرال علي السرياطي، مدير الأمن الرئاسي في عهد بن علي، الذي غادر السجن منتصف أيار الماضي.
وفي الوقت الذي تعالت فيه أصوات حقوقية تدعو إلى القطع مع كل أشكال المنظومة الأمنية القديمة وعدم فسح المجال أمام عودة رموز العهد السابق إلى الواجهة، اعتبرت أصوات أخرى أن تشكيل المجلس استند إلى "كفاءة هؤلاء الرموز"، خاصة أن دور الهيئة سيكون "استشارياً وليس فاعلاً في المشهد الأمني والسياسي".

وقال النقابي الأمني، الصحبي الجويني، في تصريحات نقلتها وسائل إعلام محلية: "قررنا بعث (إنشاء) مجلس لحكماء المؤسسة الأمنية يجمع مختلف قيادات المؤسسة الأمنية السابقة، يضطلع بدور استشاري مهم في تقديم النصح والمقترحات لإصلاح المنظومة الأمنية والمساهمة في استعادتها لعنفوانها وهيبتها".
وضمت الهيئة قيادات أمنية واجهت أحكاماً قضائية في ما بات يعرف بـ"قضية شهداء وجرحى الثورة التونسية"، من بينهم مدير الأمن الرئاسي السابق علي السرياطي، الذي حكمت المحكمة العسكرية بتونس عليه في تموز 2012 بالسجن 20 عاماً بتهمة قمع تظاهرات، ما خلف عشرات الضحايا، ليتمّ في نيسان 2014 تخفيف الحكم إلى الحبس 3 سنوات مع وقف التنفيذ.
كذلك ضم المجلس قيادات أمنية سابقة على غرار المدير العام السابق للأمن، عادل الطويري، الذي واجه اتهامات بالمشاركة في قتل متظاهرين إبان "الثورة" قبل تبرئته في نيسان 2014.
وتباينت ردود الفعل في الأوساط السياسية والأمنية والحقوقية حول دور هذه الهيئة، في الوقت الذي تواجه فيه تونس تحديات أمنية كبيرة، خاصة في ظل تصاعد العمليات الإرهابية في المناطق الحدودية.
وفي تعليق على تركيبة الهيئة، رأى الناشط السياسي والحقوقي، محمد القوماني، أن "وجود مثل هذه الأسماء هو إحالة على المنظومة القديمة وعنوان آخر لعودة وجوه من النظام السابق إلى المشهد الأمني والسياسي". وقال إن "الادعاء أن هؤلاء يمثلون الحكمة ادعاء باطل لأنهم فشلوا سابقاً في سياساتهم الأمنية، وكانت الثورة عنواناً لرفض هذه السياسات".
وتساءل الناشط الحقوقي عن سبب اللجوء إلى هذه الشخصيات مجدداً، علماً بأن البعض منهم سيكون مشمولاً بالعدالة الانتقالية ووجوده في مثل هذه الهيئات قد يؤثر في مسارها، وفق قوله.
ورأى القوماني أن "إنشاء هذه الهيئة سيلاقي ردود أفعال غاضبة لأنها تتزامن مع مؤشرات عديدة على عودة الوجوه القديمة إلى مؤسسات الدولة، خاصة بعد تعيين مسؤولين من النظام السابق في محافظات مختلفة، وعلى رأس دواوين رئاسة للحكومة وبعض الوزارات".
من جهة أخرى، قال الخبير الأمني والقيادي الأمني السابق في وزارة الداخلية والإدارة العامة لأمن رئيس الدولة والشخصيات الرسمية، يسري الدالي، إن "هيئة حكماء الأمنيين لن تقدم الإضافة في رسم السياسات الأمنية للدولة وإصلاح المنظومة الأمنية". وأعلن الدالي: "أنا لست موافقاً على هذه الهيئة ولن تصلح المنظومة الأمنية كما تروج لذلك"، مشيراً إلى أن "الجنرال علي السرياطي كفاءة أمنية عالية، لكن غرّر به بعض النقابات الأمنية".
وأعرب الخبير الأمني عن مخاوفه من عودة المنظومة القديمة تحت غطاء العمل النقابي، ومحاولات إمرار قوانين لزجر الاعتداءات على الأمنيين لإحكام القبضة الأمنية وتضييق الخناق على الحريات. وتضمن قانون زجر الاعتداءات على قوات الأمن الداخلي والقوات المسلحة الذي صدّق عليه أخيراً مجلس الوزراء وأحاله على مجلس نواب الشعب (البرلمان) عقوبات أثارت العديد من الانتقادات لدى الأحزاب والمنظمات والهيئات التي اعتبرت أن مضمونها "يعادي" الديموقراطية.
في المقابل، اعتبر رياض المؤخر، النائب عن "آفاق تونس" المشارك في الائتلاف الحكومي، أن "هيئة حكماء الأمنيين لا يمكن أن تمثل أي خطر على الحريات أو عودة المنظومة القديمة"، مشيراً إلى أن الهيئة هي "نقابة" وليس لها أي صفة رسمية لضبط السياسة الأمنية للدولة.
وأضاف: "لا أظن أنها ستنجح في إعادة الوجوه القديمة إلى الساحة السياسية فليس لها أي صفة رسمية من قريب أو من بعيد عن أصحاب القرار ونشاطها لن يتجاوز طابعه النقابي الاستشاري".
لكن الجنرال السابق علي السرياطي قال في تعليق نشره على موقع "فايسبوك"، ونقلته وسائل إعلام محلية، عقب مشاركته في أول اجتماع لهيئة حكماء الأمنيين، الخميس الماضي: "حبّ تونس جمعهم للقيام بدور استشاري في محاولة إنقاذ البلد من براثن الإرهاب والجريمة المنظمة... تحيا تونس برجالها وخبراتها".
(الأناضول)