اللاذقية | «لقد أصبحوا على الأبواب»، تعلو بعض الأصوات في اللاذقية. «لقد اقتربوا كثيراً. لعلّهم سيصلون إلينا»، يقول زياد، الطالب العشريني، تعليقاً على سقوط مدينة جسر الشغور، المجاورة لبعض قرى ريف اللاذقية الشرقي. ليس جميع من يعيشون في المدينة مستسلمين للمخاوف التي أضحت أمراً واقعاً. البعض لا يعد ما جرى فرصة للخوف بل للحياة. جمل متناثرة يرددها شبان وشابات حفظت مقاهي المدينة وجوههم.
يقضون وقتهم في بثّ همومهم، والبحث عبر الانترنت عن فرصة للنجاة في دولة أوروبية أو أميركية. لدى معظمهم أقارب وأصدقاء في الجيش يقاتلون على جبهات ساخنة، ولديهم شهداء أيضاً، ما جعل الأحزان تتغلب على بعضهم، باحثين عن مجالات أُخرى للحياة، على أرض أكثر أمناً. هذه الهواجس الكثيرة لا تعني الطفولة أبداً، فعلى مسرح المركز الثقافي في اللاذقية، وقف عشرات الأطفال والكبار يؤدون الرقصات. طفلة تبلغ من العمر ثلاث سنوات ترتدي الأبيض، وقفت تحيّي الجمهور الذي صفّق طويلاً لها ولرفاقها، واضعةً يدها على صدرها، كما لو كانت تصلّي. لوحات بديعة من تظاهرة «سوريا لك السلام 2» الثقافية، التي كان أبطالها تلاميذ مدرسة «نرقص لنحيا» لرقص الصالونات، بدعم من شركة «زين»، وتجمّع سيدات «سوريا الخير». صغار ينسابون على مسرح المدينة الحزينة في رقصات أوروبية ولاتينية، منها «الفالس» و«التانغو»، فأمتعوا الحاضرين، في عصر أسود من تاريخ بلاد فقدت متعتها.

يقضون وقتهم في بثّ همومهم والبحث عبر الانترنت عن فرصة للنجاة في دولة أوروبية

رقصة أُخرى مثّلت «التانغو- هيب هوب» أدتها طفلة بين طفلين، فأبهروا الحاضرين، بمشاهد باتت نادرة من الفن الهادف. إحدى الحاضرات علّقت على ملابس الأطفال والفتيات في اللوحات الراقصة: «إنّهم يرتدون الزيّ الصحيح للرقصات، بحسب بلدانها الأصلية». فتردّ زميلتها: «لنتمتع بالرقص وزيّه، قبل أن يباغتنا ساطور داعش والنصرة، ونتحسّر على الموسيقى والمسرح ولباس الرقص، باعتباره فاحشاً بنظرهم. هذا إن بقينا أحياء»، لكن السيدة الأولى تجيبها: «عندما يصل الساطور إلى بيوتنا، كل منّا سيحمل سكين مطبخه ويدافع عن نفسه، ولنأخذ استراحة من الرقص والحياة». حوار قصير بين رقصتين، رسم وجوماً على وجوه الحاضرين المستمعين إلى السيدتين. الحرب في كل تفاصيل الحياة ضمن المدينة، إلا أن مسرح المركز الثقافي، مساء يوم السبت، دار خارج الزمان والمكان. الآباء والأمهات منهمكون في تصوير أطفالهم على المسرح، كتذكار لأيام الشباب اللاحقة.
ألوان وأضواء احتاجتها المدينة للخروج من حالة القلق والترقب التي تشغل بال أهلها، هكذا رأى مدرّب الأطفال سامي نصير، وهكذا قاوم الحرب وأخبارها، في الإعداد للتظاهرة الضخمة. «التحدّي بالغ، بجذب الناس لحضور رقص صالونات، له روّاده ومعجبوه. ولا يلفت إلا النخبة عادة»، هكذا يعرّف نصير ما يقوم به.
ويضيف: «إنه أمل، زرعناه في نفوس أهالي المدينة. لم أخشَ عدم الإقبال، لأن الناس بحاجة ماسة إلى حضور هذه الأنشطة. الهزيمة مرفوضة، وكنت سأقدّم الحفل، حتى ولو كان المسرح فارغاً».
ساعتان ونصف ساعة انتزعها الراقصون من وقت الحاضرين، بدت حافلة بالحماسة والتصفيق، معتبرين أن التحدي بات واضحاً، بين دعاة الفرح ودعاة الحرب والتدمير. موعد نادر أمضته المدينة مع التظاهرة، الزاخرة بالأمنيات بالسلام للبلاد، وللساحل السوري، رغم ارتفاع أصوات الحرب، خلال الأيام الفائتة.