بغداد | حتى الآن، تصر السلطات العراقية، ممثلة بوزارتي الدفاع والداخلية والعمليات المشتركة، على رفض الأنباء التي أشعلت الشارع العراقي ووسائل الإعلام بشأن حدوث «مجزرة» في منطقة الثرثار حيث يقع أكبر منخفضات العراق الطبيعية والتي تقع بين شمال غرب محافظة صلاح الدين وشمال محافظة الأنبار في محاذاة العاصمة بغداد.بدأت القصة عندما هاجم تنظيم «داعش» بسيارات مفخخة وانتحاريين وقذائف هاون القوات الموجودة في «ناظم التقسيم» الذي يبعد حوالى 28 كيلومتراً عن سد «الثرثار» حيث تمكن بحسب رواية أحد الجنود لـ«الأخبار» من قتل وإصابة وأسر العشرات من المنتسبين والضباط، فضلاً عن متطوعين في قوات «الحشد الشعبي» بعد اندلاع اشتباكات ومواجهات ضارية بين الجانبين أدت إلى نفاد ذخيرة القوة المقاتلة.

ويبيّن الجندي، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، أنه «بعد ذلك طلبنا إسناداً ودعماً من القيادات العسكرية فأبلغونا بأن قوة بقيادة قائد الفرقة الأولى العميد الركن حسن عباس طوفان ستأتي لنجدتنا وإنقاذنا، ولكن وفي طريق الفرقة إلينا تعرض رتل قائد الفرقة لهجوم انتحاري بعجلتين عسكريتين مفخختين لداعش، ما أسفر عن مقتل القائد ومعه آمر اللواء الأول في الفرقة العقيد الركن هلال مطر وعدد آخر من الضباط والجنود والمنتسبين وأسر آخرين».
وتابع الجندي إن «داعش» أخذ جثث القتلى والجنود الأسرى إلى مدينة الفلوجة التي يسيطر عليها منذ مطلع العام الماضي وقام بالاستعراض بهم، ويؤكد أن عدد الضحايا بلغ نحو 140 قتيلاً.
ناقشت الرئاسات الثلاث في اجتماعها الدوري الخرق الأمني

في موازة ذلك، تحدث مصدر مسؤول في رئاسة الحكومة لـ«الأخبار» عن تفاصيل ما جرى في «الثرثار»، موضحاً أنه «في الساعة 16 من يوم 24 نيسان الحالي، حصل تفخيخ من قبل الدواعش في ناظم التقسيم الذي يقع على ذراع دجلة شمال غرب الفلوجة، وذلك بتفجير همرات مفخخة عدد 4 على قوة تضم قائد الفرقة الأولى الذي جاء إلى ناظم التقسيم من أجل إسناده بعد تعرضه لهجمات من قبل الدواعش. وجراء انفجار العربات المفخخة، استشهد 13 من ضمنهم قائد الفرقة وآمر لواء آلي 38، وجرح 23 وفقد 8».
ويوضح المصدر أن «آمر الفوج مصيره مجهول، ما أدى إلى انسحاب القطعات من ناظم التفسيم باتجاه جسر الشيحة واتخاذ خط صد، (13 كلم شرق التقسيم)، كما مسكت قوة أخرى خط صد 2 كلم شمال ناظم التقسيم». وأكد أن «مواقع أخبار نشرت عن جريمة قتل جماعي وسمّوها مجزرة ادعت أنها ارتكبت في ناظم الثرثار وهذه الجريمة لم تقع مطلقاً إلا في المخيلة المريضة لهؤلاء الذين يريدون تحقيق مصالحهم الشخصية البائسة على حساب دماء أبنائنا وشعبنا».
من جهته، نفى وزير الدفاع، خالد العبيدي، في مؤتمر صحافي حضره قائد طيران الجيش، الفريق حامد المالكي، وعدد من الجنود قيل إنه تم تحريرهم، أمس، خلال عملية إنزال جوي جرت في ناظم التقسيم، الأنباء التي تحدثت عن مقتل 140 جندياً، مؤكداً أن لا أساس لها من الصحة، واصفاً وسائل الإعلام التي تداولت تلك الأنباء بـ«المغرضة».
وبيّن العبيدي أن «الإرهابيين قاموا بالتعرض والهجوم على ناظم التقسيم بثلاث سيارات مفخخة، ما أسفر عن استشهاد 13 من المقاتلين وأن القوات الأمنية تمكنت من إخلاء القطعات الموجودة واستعادة المناطق التي تمت السيطرة عليها». وأضاف إن «القوات الأمنية تمكنت من الوصول إلى منطقة قريبة من مركز ناحية الكرمة»، مشدداً على تحقيق 90% من أهداف العملية الأمنية هناك.
بعدها بساعات، أعلنت قيادة عمليات بغداد التي يقع حماية سد «الثرثار» ضمن مسؤوليتها استعادة السيطرة على ناظم التقسيم وتطهيره بالكامل من سيطرة «داعش» بعد عملية الإنزال التي أدت إلى إنقاذ ثمانية جنود. المتحدث باسم القيادة العميد سعد معن أكد في حديث إلى «الأخبار»، أنه «تم تكبيد العدو خلال عملية استعادة السيطرة خسائر كبيرة». ولفت معن إلى أنه «لا صحة لما تم تناقله من خلال وسائل إعلام ومواقع التواصل الاجتماعي بشأن حدوث مجزرة وحصول إعدامات جماعية»، مؤكداًَ أن «عدد الشهداء الذين سقطوا في الطريق إلى ناظم التقسيم بلغ 13 شهيداً».
سياسياً، عقدت الرئاسات الثلاث (الجمهورية والبرلمان والحكومة) اجتماعها الدوري الذي خصصت الجزء الأكبر منه لمناقشة ما جرى في الثرثار من خرق أمني. وشدد الرؤساء على ضرورة محاسبة ومعاقبة المقصرين، وخصوصاً أن احتمالية سيطرة «داعش» ستعرض أجزاء واسعة من العاصمة بغداد للغرق حسبما أبلغ مصدر سياسي رفيع «الأخبار».
كما قرر البرلمان العراقي استدعاء القادة العسكريين المسؤولين عن التدهور الأمني الذي جرى في ناظم التقسيم، مؤكداً أنه «سيتعامل بحزم وقوة مع أي تقصير من هذا النوع أو أي خرق يهدد الوضع الأمني في عموم العراق ويعرض حياة العراقيين للخطر»، كما أعلن رئيس مجلس النواب سليم الجبوري،
فيما طالب «الحشد الشعبي» لجنة الأمن والدفاع النيابية باستدعاء وزير الدفاع خالد العبيدي وفتح تحقيق عاجل، محملاً وزير الدفاع مسؤولية ذلك حصراً.
ووصفت حركة «عصائب أهل الحق» بزعامة الشيخ قيس الخزعلي ما حدث في منطقة الثرثار بأنه «جريمة نكراء». وعبرت الحركة عن الاستغراب من عدم تقديم الحكومة التعزيزات اللازمة للجنود المحاصرين واتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع حدوث المجزرة، مشددةً على ضرورة استدعاء وزير الدفاع خالد العبيدي وقائد عمليات الأنبار «وفتح تحقيق بهذه المجزرة الأليمة ومحاسبة المقصرين والمسؤولين عنها وعدم مرورها مرور الكرام».