سيناء | «سينا رجعت كاملة لينا... ومصر اليوم في عيد»، بأغنية عفا عليها الزمان للفنانة شادية، احتفلت مصر بـ «عيد تحرير سيناء»، الموافق لتاريخ الـ25 من نيسان من كل عام. عيد قومي أُعلن عام 1982، في الوقت الذي لا تزال فيه شبه الجزيرة قابعة تحت سياسات الإهمال والتهميش وغياب التنمية.هذه المرة لم تجر الاحتفالات في سيناء، بسبب صدور قرار محافظ شمال سيناء، اللواء السيد عبد الفتاح حرحور، بإلغاء الاحتفالات بالعيد القومي، بدعوى الظروف الأمنية.

وتعاني سيناء اليوم، وهي المساحة الاستراتيجية المهمة الرابطة بين مصر ودول المشرق العربي، مشكلات لا حصر لها، أبرزها الحرب الدائرة على أراضيها ــ شرق العريش والشيخ زويد ورفح ــ لـ «محاربة الإرهاب». حرب ومعارك أدت إلى فرض السلطات المصرية حظر التجوال في العريش منذ نحو ستة أشهر، وللعام الثاني على التوالي في مدن الحدود الشرقية مع قطاع غزة، برغم أنّ هذه السياسات لم تحد من العمليات الإرهابية.
الجدير بالذكر، أنه منذ بداية العام الجاري، قتل 63 جنديا وسبعة من رجال الشرطة، على الأقل، في هجمات عديدة وقعت في شمال سيناء. وخلال الأيام الأخيرة، فقط، تكبد الجيش في سيناء خسائر فادحة، إثر مقتل 11 عسكريا، بينهم 6 ضباط و5 جنود، فيما أصيب قرابة 22 جنديا وجرى تدمير 7 مدرعات، في تفجير عبوات زرعها مسلحون على جوانب الطرق الفرعية التي تمر منها قوات الجيش خلال حملاتها العسكرية شرق العريش.
تمديد حظر التجول في قسم من شمال سيناء لثلاثة أشهر إضافية

تحت سقف الحظر، خرجت، أمس، تظاهرات في مدينة العريش في محافظة شمال سيناء، احتجاجاً على قرار الرئيس، عبدالفتاح السيسي، تمديد حالة الطوارئ وحظر التجوال. وطالب المتظاهرون بتنمية شبه جزيرة سيناء، بدلاً مما سموه التعامل الأمني العنيف معهم وتهجير الأهالي.
في موازاة ذلك، تحركت قيادات سياسية وناشطون من الشباب في شوارع المدينة، لتنظيم فعاليات مختلفة، منها ماراثون للمشي ووقفات صامتة ضد قرار حظر التجوال، مطالبين برفعه دون تمديده.
وكانت الرئاسة المصرية قد أعلنت، أول من أمس، تمديد حالة الطوارئ في مناطق في شمال سيناء لثلاثة أشهر، وهي الفترة الثالثة للطوارئ التي أعلنت في تشرين الأول الماضي. وقالت الرئاسة، في بيان، إن القرار يشمل تطبيق حظر التجوال في المناطق المعلنة فيها حالة الطوارئ، وتشمل «المنطقة الممتدة شرقاً من تل رفح مرورا بخط الحدود الدولية، وحتى العوجة غربا».
ويفرض القرار «حظر التجوال في المنطقة المحددة من الساعة السابعة مساء (الخامسة مساء بتوقيت غرينتش) حتى الساعة السادسة (الرابعة بتوقيت غرينتش) من صباح اليوم التالي»، لكن حظر التجوال سيكون مخففاً في العريش ــ عاصمة محافظة شمال سيناء ــ ليسري من «الساعة 12 صباحا (العاشرة بتوقيت غرينتش) حتى الساعة السادسة من صباح اليوم التالي (الرابعة بتوقيت غرينتش)، مع فرضه لوقت أطول على الطرق السريعة المحيطة بها».
وبين الحظر والحرب على الإرهاب يعيش المواطنون معاناة متواصلة على المستويات كافة: مصادرة الحرية، وارتفاع الأسعار، وسوء تعامل عند الحواجز الأمنية، إضافة إلى أزمات طاحنة في ملفات الغاز الطبيعي والوقود بأنواعه، وسط انعدام الأمن، والانفلات الذي يضرب أنحاء سيناء.

التهميش المستمر

برغم الاحتفال بالذكرى الـ33 لتحرير سيناء، فإنها تبقى شبه معزولة عن سياسات التنمية، إذ سبق أن توقفت عدة مشروعات تنموية مهمة في إطار «المشروع القومي لتنمية سيناء»، وفي مقدمتها «مشروع ترعة السلام»، أحد مشروعات استصلاح الأراضي الزراعية الكبرى في مصر.
ومنذ صدور القرار الجمهوري عام 1993، القاضي بإنشاء «ترعة السلام» ــ حملت في البداية اسم «الشيخ زايد» ــ ارتبط بها شعوران مختلفان: سعادة تلاها الخذلان؛ فبعد انتهاء المرحلتين الأولى والثانية وبدء العمل في عام 2002، أسرع السيناويون إلى مد مواسير المياه من الترعة باتجاه أراضيهم باعتبارها المنفذ الذي يروي ظمأ أرضهم، ولكن الإحساس باللعنة والخذلان تلا ذلك، إذ فوجئ المزارعون البسطاء بأن حلم أراضيهم انهار بعد سنوات قليلة فور توقف الحفر، نهائياً، عام 2008، وذلك قبل البدء بالمرحلتين الأخيرتين من المشروع (مرحلة مزار والميدان ومنطقة السر والقوارير). وذكرت دراسة لـ «المركز القومي للمعلومات» أن قرار الوقف جاء بعد تنفيذ 70% من المشروع.
ولا تختلف كثيراً مشاهد تدمير «ترعة السلام» عما تعرض له قطار العريش الذي لا يبعد عن الترعة. الدليل الوحيد للتعرف على مكان ذلك المشروع هو رصيف المحطة الذي لم يسلم أيضاً من تدمير أرضيته وتحطيم أسواره بشكل لا يدل على مجرد السرقة وإنما التخريب المتعمد. ولا يوجد في السكة سوى حجارة محطمة وبقايا الحديد الذى أكله الصدأ، وقد توقف أيضاً عند أطراف مدينة بئر العبد، برغم أنه جاء في قرار الإنشاء أنه يربط بين محافظات وادي النيل وبين محافظة سيناء حتى مدينة رفح المصرية ــ آخر المدن الحدودية.
على رصيف القطار، تنتشر بقايا زجاج مكسور من شباك التذاكر الذي اختفت أبوابه الحديدية، وداخل دورات المياه آثار أسلاك الكهرباء المنتزعة من جدرانه، بينما تجد الأخشاب وأحواض المياه محطمة على الأرض، وهو المشهد المتناقض تماما مع ما شاهده الجميع يوم افتتاح أولى المحطات عام 1997، في اليوم الذي ركب فيه الرئيس المخلوع، محمد حسني مبارك، القطار معلنا اهتمامه بتنمية سيناء بكلمات تبددت فور عودته إلى القاهرة؛ إذ لم تمر أيام إلا وتوقف القطار، بعدما توقفت وزارة النقل عن استكمال باقي محطاته المخطط لها إلى مدينة رفح، الأمر الذي جعل قضبان السكة الحديد ومحطاتها الخمس عرضة للنهب والسرقة، ليهدر نحو 75 مليون دولار صُرفت على إنشاء خط السكة الحديد، الممتد من منطقة نمره 6 شرق قناة السويس بالإسماعيلية وصولا إلى قرية رابعة بمركز بئر العبد غرب سيناء بطول 170 كم تقريباً.
كذلك توقف منجم الفحم في منطقة المغارة بسيناء بعد غرقه بالديون، إذ «يصل أصل الدين إلى 442 مليون جنيه، و1.9 مليار جنيه فوائد للبنوك والمؤسسات المالية»، برغم وجود احتياطيات كبيرة داخله تصل إلى 21 مليون طن. ويلجأ قطاع البترول إلى استيراده بالأسعار العالمية للوفاء باحتياجات محطات التوليد، إضافة إلى ما يحتاج إليه من الغاز الطبيعي، ما يكبد الدولة خسائر كبيرة نتيجة استيراد كميات كبيرة من المازوت.