لا يميّز الحمويون بين أصوات القصف المدفعي والصاروخي، وأصوات الرعد الناجم عن سوء الأحوال الجوية. اما الجنود في أرض المعارك الدائرة منذ أول من امس في الريف الشمالي الغربي للمحافظة، فيحددون أوقات تحليق الطائرات الحربية في الأجواء، برغم المنخفض الذي يزور المنطقة، ويؤخر موسم الدفء.
مطار حماه يغلي بحركة الجنود وحماستهم، لمساندة رفاق المعركة على الجبهات، والوصايا تلاحق الطيارين، بسبب ازدياد الأحوال الجوية سوءاً، ما يعني ضرورة اغتنام سلاح الجو كل فرصة للتدخل. أحد العسكريين يؤكد أن الهجوم الذي يشنه «تنظيم القاعدة في بلاد الشام ــ جبهة النصرة» وحلفاؤه على سهل الغاب (ريف حماه الغربي) ومواقع الجيش في ريفَي إدلب الجنوبي والغربي، «متوقع، إثر سيطرة المسلحين على مدينة إدلب، نهاية الشهر الماضي. وهدف المسلحين اليوم هو ضرب سهل الغاب، المحاذي للسفوح الشرقية لجبال اللاذقية، والمتصل بريف إدلب الجنوبي وبه تمر طرق إمداد الجيش الآتية من حماه وحمص وطرطوس. هدف آخر يُضاف إلى لائحة عمل المسلحين، تجري محاولة تحقيقه من خلال الهجوم على مدينة جسر الشغور (غربي إدلب)، لمحاولة قطع سبل الإمدادات من محافظة اللاذقية. وعلى الرغم من دقة المعارك، بحسب قول الضابط، غير أنه يبدو مرتاحاً إلى الوضع الميداني في سهل الغاب، حيث تتركز مهماته وجنوده. يهزأ من أحلام المسلحين بالسيطرة على كامل سهل الغاب (مساحته نحو 800 كلم مربع)، بين جبل الزاوية وهضبة حماه شرقاً، وجبال اللاذقية غرباً، إذ ينكشف كالكف أسفل قمة النبي يونس، أعلى قمم الساحل السوري، التي تتمركز فيها قوات الجيش والدفاع الوطني، بحسب قول الضابط. وعن توقيت الهجوم، بالتزامن مع بدء الجيش معارك استعادة قرى تقع جنوبي إدلب، يقول: «الهجوم للسيطرة على نقاط تمركز الجيش في سهل الغاب يتعلق بمحاولات قطع الإمداد عن قواتنا في معسكري القرميد والمسطومة، باعتبارهما نقاط مقاومة منيعة للمد المسلح في المنطقة، وهذا ما نعمل على تلافي حدوثه». يتابع الرجل الوضع الميداني في معسكر القرميد، ويثني عبر الهاتف اللاسلكي على مقاومة جنود الجيش المدافعين عن المعسكر.
معارك الخط الأمامي في سهل الغاب تتولى أمرها قوات المشاة المتمركزة على حاجزي القاهرة والتنمية الريفية في قرية الزيارة. يواجه جنود الحاجزين قذائف الهاون ومحاولات التسلل من بعض القرى المجاورة لجبل شحشبو، الذي يتصل جغرافياً مع جبل الزاوية، ويتميز بغناه بمغاور يحتمي فيها المسلحون المهاجمون، متنقلين بين قرى الجبل وريف إدلب.

يهزأ جنود الجيش من نية «القاعدة» السيطرة على سهل الغاب
الجبل الواقع شمال موقع أفاميا الأثري، يطل على عدد من القرى، فيقلب أيامها جحيماً بفعل الصواريخ والاستهدافات المتكررة. يذكر أحد عناصر الجيش، من قرية جورين الواقعة أقصى غرب سهل الغاب، أن قريته عانت بدورها سقوط الصواريخ وهجمات المسلحين طوال السنوات الماضية، دون رد عملي للدفاع عن سكانها المدنيين.
ينتهي الحديث مع الجندي، بمجرد التحذير الذي وصل إليه ورفاقه عن بلوغ الاشتباكات أشدها على حاجز بيت شحود، القريب من قرية الزيارة. يسيطر الجيش على قرى عدة في سهل الغاب، بينها جورين والزيارة، فيما تسود سيطرة تنظيم القاعدة وحلفائه على قرى الحويجة والحويز والحواش. أول من أمس، تلقت غرفة عمليات الجيش خبر توجه سيارة مفخخة إلى حاجز قرية السرمانية شمالاً، ما أتاح تفجيرها بصاروخ موجّه قبل وصولها إلى هدفها. عملية ولّدت حالة من النشوة لدى الجنود وقيادتهم.
ظهور تسجيل مصوّر للشيخ «القاعديّ» عبد الله المحيسني (سعودي الجنسية) على أرض سهل الغاب، أثار سخرية الجنود. فالذين شاركوا في معارك الدفاع عن محردة وتحرير خطاب واستعادة السيطرة على حلفايا في ريف حماه، الصيف الماضي، استذكروا محاولات المحيسني تشجيع مقاتلي «القاعدة» وشحذ هممهم بالانتشار بينهم في حلفايا. «كل ما ينقص هجوم المسلحين في سهل الغاب الآن عن مثيله في حلفايا العام الماضي هو إعلان المحيسني أن (زعيم «النصرة» أبو محمد) الجولاني يقود شخصيا العمليات اليوم كما فعل حينذاك»، يقول نقيب في الجيش. ويظهر المحيسني في التسجيل المصور بين عدد من مقاتلي «الجبهة»، مؤكداً أن «المجاهدين سيدخلون سهل الغاب ولن يفكروا في الرجوع عنه، وسيرفعون التكبيرات في بناياته وسطوح دوره». الاشتباكات المتسمة بالمواجهات المباشرة، في سهل الغاب، تبلغ أشدها ليلاً، بحسب الضابط، والساعات المقبلة تحمل الكثير من التطورات. يضيف: «الاعتماد علينا كبير في تأمين الدعم الناري، ومحاولة التواصل المستمر مع ما يحتاج إليه رفاقنا في معسكري القرميد والمسطومة، وعلى حواجز الصف المقاتل الأول في سهل الغاب».
في محيط معسكر القرميد والمسطومة وعين السودة، في ريف ادلب الجنوبي، لم تمنع الأحوال الجوية السيئة الطيارين السوريين من تنفيذ غارات جوية على المسلحين المهاجمين. ضغط مسلحي «القاعدة» وحلفائهم بلغ ذروته على حواجز المداجن والكازية وتل إسفن ومعمل البطاطا، ما أدى إلى انسحاب عناصر الحاجز الأخير باتجاه حواجز المعسكر الأُخرى، فجر أمس، بحسب مصادر ميدانية، قبل أن يشن الجيش هجوماً مضاداَ بهدف استعادة ما خسره. وبحسب المصادر، فإن حدة المعارك تراجعت امس عما كانت عليه في اليوم السابق. وتضيف أن قوات الجيش أحبطت محاولة تسلل للمسلحين إلى داخل المعسكر، ما أدى إلى مقتل عدد منهم. وبدوره شهد محور جسر الشغور أعنف الاشتباكات التي تركزت في محيط معمل السكر، جنوب المدينة، إضافة إلى اشتباكات قرب دوار اللاذقية وحواجز العلاوين زليطو والساقية وعين السبيل.