السعودية هُزمَت في اليمن..هذه هي الخلاصة الواضحة الجلية، غير القابلة للتأويلات، للعدوان السعودي على الشعب اليمني. انتهى العدوان، بعد أربعة أسابيع من الحقد الأسود، بإعلان وقف «عاصفة الحزم»، من دون تحقيق أي من أهدافها السياسية؛ لم يركع «أنصار الله» تحت القصف الهمجيّ، ولم تنسحب قواتهم من أي شبرٍ استطاعت السيطرة عليه، ولم يتوقف كفاحها المشروع ضد إرهابيي «القاعدة» في حضرموت وسواها.
السعودية هُزمَت في اليمن..

ارتكبت جرائم حربٍ موصوفة بحق اليمنيين؛ قتلت الأطفال والنساء والشيوخ، ودمّرت المنشآت والجسور ومرافق الخدمات والبنى التحتية، وعطّلت دورة الحياة اليومية للعائلات والعاملين والطلاب، ولكنها لم تتمكن من تحقيق هدفها المعلَن المتمثل في إعادة عبد ربه هادي إلى السلطة، ولا هدفها المضمَر في تمكين «القاعدة» من الانتصار على الشعب اليمني أو تمزيق هذا الشعب الأبيّ على أسس مذهبية أو جهوية، وإشعال حرب أهلية. واجه اليمنيون العدوان بشجاعة وأنفة، بلا أنينٍ ولا شكوى، موحّدين وصابرين، ومستعدّين للأسوأ. أما أولئك الذين أيّدوا العدوان من حثالات الإخوان المسلمين وبعض الأحزاب السياسية البالية، فقد أصدروا على أنفسهم الحكم بالإقصاء بصفتهم خونة للوطن والشعب.
السعودية هُزمَت في اليمن..
وكانت هزيمتها حتميةً؛ إذ كانت تواجه، منذ البداية، خيارين، أوّلهما اضطرارها إلى وقف «الضربات الجوية»، من دون تحقيق أي هدف سياسي. وهي هزيمة صريحة. وثانيهما التورّط في عدوان برّي سوف يستنزف السعودية، ويُضعف سيطرة آل سعود على مملكةٍ معرّضة للتفكّك إلى أربعة أقاليم: المحافظات اليمنية المحتلّة ( جيزان ونجران وعسير)، والمحافظات البحرينية المحتلّة في شرق الجزيرة العربية، والحجاز المستَعمَر، ونجد.
في النهاية، اختار آل سعود الاعتراف بالهزيمة السياسية، لإنقاذ مملكتهم من مصير محتوم. والمفارقة أن الذين أعطوا الرياض سلّم النزول عن شجرة العدوان اليائس، هم مَن تعتبرهم أعداءها، أي روسيا وإيران. وقد تحرّكتا لإنقاذ السعودية من جنونها، واتّبعتا نهج التهدئة والمبادرة السلمية. وبينما مررت موسكو للرياض قراراً دولياً يحفظ ماء وجه المملكة، مارس الرئيس فلاديمير بوتن سياسة احتواء الانتحار السعودي؛ حذّر الملك سلمان من التداعيات الخطيرة للعدوان، ودعاه إلى زيارة الكرملن، للتفاهم؛ روسيا مستعدّة لضمان أمن السعودية، مقابل وقف حروبها في اليمن وسوريا والعراق. وفي هذا الخط نفسه، وبالتفاهم الثنائي، سارت الدبلوماسية الإيرانية نحو التوصل إلى صيغة لإطفاء الحرائق، لا في الجزيرة العربية فقط، بل أيضاً في المشرق العربي.
إذا كان العدوان السعودي الفاشل على اليمن يهدف، على مستوى مباشر، إلى منع الشعب اليمني من الاستقلال، والحيلولة دون الحضور الإيراني ـ الروسي في جوار المملكة، فإن آل سعود، المرعوبين من الاعتراف الغربي بإيران كقوة إقليمية رئيسية، ومن التحالف الإيراني الروسي، سعوا نحو التصعيد مع هذا المحور، في ما سمّوه «عاصفة الحزم». وهي تعكس جنون الرُهاب من التحولات الاستراتيجية الحاصلة على المستويين الإقليمي والدولي، ومنها: (1) الاتفاق بين طهران و»المجتمع الدولي» على تسوية الملف النووي، ورفع الحصار عن الجمهورية الإسلامية، (2) وتوجّه الأخيرة إلى الانضمام إلى حلف «شنغهاي» الدفاعي، وإفراج موسكو عن صفقة صواريخ أس 300، (3) وإعلان الرئيس الأميركي باراك أوباما أن الأخطار التي تواجه دول الخليج تأتي من داخلها ـ بسبب انسداد الأفق السياسي الاجتماعي أمام شعوبها ـ وليس من جهة إيران.
ما بعد الهزيمة، ليس أمام السعودية سوى الاعتراف بموازين القوى الجديدة على المستويين الإقليمي والدولي. بل إن بقاءها، غداً، أصبح مرهوناً بما تتوصّل إليه من تفاهمات استراتيجية مع موسكو وطهران.
ما بعد الهزيمة، لن يكون الهدف التالي «عاصفة حزمٍ» جديدة ضد سوريا، بل التفاوض حول حلٍ للصراع في هذا البلد، تحت سقف الرئيس بشّار الأسد ونظامه؛ فلا بحثٌ، هنا، إلا في التفاصيل الاجرائية لضمّ معارضين مقبولين إلى العملية السياسية الوطنية.
ما بعد الهزيمة، ستكون السعودية أمام استحقاق لطالما تهرّبت من مواجهته في العراق؛ وهو الاعتراف بالدولة العراقية الجديدة، وبعلاقاتها الإقليمية، وبانضمامها المحتوم إلى محور المقاومة.
ما بعد الهزيمة، سوف يذهب الملك سلمان إلى «كامب ديفيد» ليصغي، جيداً هذه المرة، إلى الإملاءات الأميركية بشأن أولوية الاصلاح السياسي والثقافي والديني الداخلي؛ فالغرب ـ الذي طالما استخدم الوهابية ومنتجاتها الإرهابية كأداة سياسية في بلادنا ـ أصبح، اليوم، يتحسّس رأسه؛ فالسعودية القديمة ـ الوهّابية ـ الإرهابية، تحوّلت إلى خطر على العالم كله، ولم يعد أمام العالم سوى وضع حدٍّ للصيغة السعودية الفائتة، وتجديد النظام أو الخلاص منه.