بغداد | قد يبدو المشهد من حدود محافظة الأنبار جنوباً، وصولاً إلى مدينة الموصل في محافظة نينوى شمالاً، واضحاً لجهة حجم أدوار القوى العربية الدائرة ضمن محور السعودية ــ على رأسها الأردن ــ وحجم دور تركيا، التي وصلها أمس الرئيس العراقي، فؤاد معصوم، على رأس وفد حكومي رفيع المستوى.
في المقابل، لا يُفسّر اتساع حجم التدخلات وحده خريطة العلاقات ضمن محافظتي الغرب العراقي، ولا حتى طبيعة ما يُعَدّ لهما من مشاريع تحت عنوان «التحرير من سيطرة داعش». فضلاً عن أنّ التطورات هناك باتت مرتبطة بنحو رئيسي بتطورات الشرق السوري وجنوبه، ما يضفي مزيداً من التعقيد على المسألة. أيضاً، جاء تحجيم دور قوات «الحشد الشعبي» في معارك محافظة الأنبار ليؤثر سلباً بمدى التقدم الميداني الممكن إحرازه، وبالتالي فتح ذلك الباب أمام تحديد أدوار لقوات قد تكون غير عراقية.
التقى القادة العراقيون في عمان رجل الدين البارز عبد الملك السعدي

تحت هذا السقف، قد تكون جاءت الزيارة المفاجئة التي قام بها رئيس مجلس النواب العراقي، سليم الجبوري، ونائب الرئيس العراقي، أسامة النجيفي، ونائب رئيس الوزراء العراقي، صالح المطلك، لعمان حيث التقوا الملك عبدالله الثاني، وعدد من القيادات العشائرية العراقية. وبرغم البيان الصادر عن الديوان الملكي الأردني، أول من أمس، الذي تحدث عن لقاء جمع عبدالله الثاني بالشخصيات العراقية الثلاث، إلا أنّ غموضاً يلف تلك الزيارة، فضلاً عن التساؤلات التي تطرحها.
وفيما أشارت التسريبات العراقية المتوافرة إلى أن الزيارة «غير اعتيادية»، وقد تسفر عنها نتائج من شأنها تغيير المعادلات الحالية، كشف النائب عن «اتحاد القوى»، عبد الكريم عبطان، في حديث إلى «الأخبار»، عن أنّ «زيارة الجبوري والمطلك والنجيفي جاءت بناءً على دعوة وجهت إلى الزعماء الثلاثة من قبل عدة دول عربية يهمها واقع المناطق المضطربة في العراق، لا الأردن فقط»، لافتاً إلى مخاوف وقلق سعوديين من تطورات وضع الأنبار وإمكانية أن يسهم ذلك بفتح جبهة جديدة، المملكة في غنى عنها، أو على الأقل غير مستعدة لمواجهتها.
ورأى عبطان أن اختيار القيادات الثلاث لم يأت اعتباطياً، «فالجبوري يمثل ديالى التي لا تزال تشهد تحديات أمنية، بالرغم من تحريرها قبل أشهر، والنجيفي يمثل الموصل التي لا تزال تخضع لسيطرة داعش، وهي مقبلة على عملية عسكرية لتحريرها، والمطلك يمثّل الأنبار التي تعني الكثير للأردن ولدول عربية أخرى».
في موازاة ذلك، قال مسؤول أنباري مطلع إنّ المباحثات في عمان «تناولت إمكانية أن يكون هناك تدخل عربي بري في كل من الأنبار ونينوى»، مشيراً إلى أنّ «ذلك اصطدم برفض قوى سنية مهمة ومؤثرة في الساحة»، في وقت تناقل فيه إعلاميون عراقيون، في الساعات الأخيرة، أنباء مفادها أنّ ما جرى جرى بعلم من رئيس الوزراء، حيدر العبادي، وذلك «بهدف طلب دعم بري أجنبي أو عربي لتحرير الأنبار ونينوى».
لكن المسؤول أشار، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أنّ «التدخل العربي البري لم يحتل أولويات مباحثات القادة السنّة مع القيادة الأردنية، التي هي بنفسها غير مستعدة وليس في مصلحتها أن تتدخل برياً في أي من المحافظتين». ورأى المسؤول أن من مصلحة الأردن «إقناع» شيوخ العشائر ورجال الدين المعارضين للعملية السياسية والذين يقيمون منذ سنوات في عمّان.
وفي السياق، كشف مصدر سياسي مطلع عن لقاء جمع الجبوري والنجيفي والمطلك إلى رجل الدين البارز، عبدالملك السعدي، الذي يعد أحد ابرز مناهضي النظام السياسي العراقي الحالي، وكان قد أفتى خلال انتخابات نيسان الماضي بعدم جواز المشاركة فيها، وكان من أبرز داعمي ما سمي «ساحات الاعتصام». وأكد المصدر لـ»الأخبار» حدوث لقاءات واجتماعات مشابهة مع قيادات عشائرية ودينية عديدة.
من جهة أخرى، رأى المحلل السياسي، إحسان الشمري، أن المعطيات المتوافرة حول الزيارة لعمان تشير إلى أنها جاءت «لإيجاد ضغط على بعض الزعامات السنية، لأنهم (الجبوري والنجيفي والمطلك) يريدون إنقاذ مستقبلهم السياسي، ولا سيما أنهم لم يستطيعوا تقديم شيء لأغلب محافظاتهم».
وأضاف الشمري، في حديث إلى «الأخبار»، أن «تلك الضغوط تهدف إلى إيجاد تسوية مع الحكومة العراقية والدخول بإطار جديد، ولا سيما أن المعارضين للنظام السياسي متوزعون على أجندات دولية متضادة»، لافتاً في الوقت نفسه إلى صعوبة ضم جميع الأطراف المعارضة لتلك التسوية «لأنهم متوزعون على أجندات دولية متضادة».
وبرغم احتمال استبعاد تدخل قوى عربية في الأنبار، راهناً، لكن من المعروف أنّ الأردن يؤدي دوراً مهماً ضمن «التحالف الدولي»، وسبق أن جرى الحديث عن دور مهم لابد أن تؤديه عمّان في الأنبار. وتأكيداً لدورها، وصل أمس مستشار الملك الأردني للشؤون العسكرية رئيس هيئة الأركان المشتركة، مشعل الزبن، إلى العاصمة المصرية القاهرة لحضور اجتماع رؤساء أركان الدول الأعضاء في الجامعة العربية المنعقد اليوم. وبحسب موقع الجيش الأردني، سيبحث الاجتماع تشكيل القوة العربية المشتركة التي أُقرَّت خلال قمة شرم الشيخ الأخيرة.
وتُعَدّ الأنبار ونينوى محافظتين استراتيجيتين، نظراً إلى موقعيهما، إضافة إلى أنّ آليات استعادتهما من تنظيم «داعش» لا بد أن تحدد حجم التبدلات التي قد يعرفها النظام العراقي مستقبلاً. كذلك، ينتشر «داعش» بين هاتين المحافظتين بشكل مهم، حتى أنّه غالباً ما يجري الحديث عن وجود أبي بكر البغدادي بينهما بالقرب من الحدود السورية. وقد نقلت، أمس، صحيفة «الغارديان» البريطانية عن مصادر أن البغدادي أصيب بجروح خطرة في غارة جوية في آذار الماضي، استهدفت قضاء البعّاج في نينوى.