رام الله | كان محرماً على سيارة تحمل «نمرة» فلسطينية منذ بداية الانتفاضة الثانية عام 2000 أن تمر عبر حاجز عسكري إسرائيلي متجهة صوب الأراضي المحتلة عام 1948 أو القدس المحتلة، مثل ما يجري في الأيام القليلة الماضية بعدما سمح للسيارات الفلسطينية بأن تدخل، فما إن يرفع المار هويته الخضراء (الفلسطينية) أمام مجند أو مجندة إسرائيلية حتى يسمع بصوت عال كلمة «ادخل».
هذا المشهد جزء من سلسلة التسهيلات التي قدمها الاحتلال بقرار أحادي الجانب، من دون تنسيق مع الجانب الفلسطيني، وترافق مع الحدث الأكبر، وهو قرار الحكومة الإسرائيلية فك الحجز عن عائدات الضرائب الفلسطينية بعد اجتماع عقد بين رئيس الوزراء الفلسطيني رامي الحمدالله، ومنسق أعمال الحكومة الاسرائيلية يوآف مردخاي، لكن من دون أن تتبنى السلطة أنها كانت وراء تلك التسهيلات.
ومن مجمل القرارات الإسرائيلية تسهيل حركة الانتقال لشرائح معينة عبر سياراتهم الفلسطينية إلى داخل الخط الأخضر (كالأطباء)، والسماح للرجال فوق سن 55 عاماً والنساء فوق سن 50 عاماً بالدخول إلى القدس دون تصريح. كذلك وافقت الحكومة الإسرائيلية على إنشاء منطقتين صناعيتين في كل من الخليل وقلقيلية، رغم أنها تصنف في مناطق «ج» وتتبع للإدارة الإسرائيلية، وأيضاً سمح لعناصر الشرطة الفلسطينية بالعمل رسمياً في القدس المصنفة على أنها من مناطق «ب» للمرة الأولى، علماً بأن هذه المناطق تمثل ما نسبة 22% من أراضي الضفة المحتلة.
سمح للشرطة الفلسطينية بالعمل
في مناطق «ب» والقدس المحتلة

وقد تزامن ذلك مع إقرار القضاء الإسرائيلي بالاعتراف بشهادات الطب التي يحصل عليها الفلسطينيون ممن يحملون الهوية الزرقاء عبر جامعة القدس ــ أبو ديس بعد أربع سنوات من رفع الدعوى.
ويرى المواطنون هنا أنه رغم بعض السعادة بهذه التسهيلات، فإنهم لا يستشعرون منها خيراً، فيما يقدر عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، حنا عميرة، أن توقيت هذه التسهيلات وسببها يعودان إلى أن إسرائيل «تحاول امتصاص ردود الفعل الناتجة من حجزها أموال الضرائب الفلسطينية، إلى جانب تغطية عمليات الاعتقال الواسعة التي تنفذها وخططها لتهويد مدينة القدس». وأشار عميرة إلى أن خبراء إسرائيليين حذروا أخيراً من إمكانية انفجار الأوضاع في الضفة إذا استمر الضغط بهذه الطريقة، ولكنه رأى في انتشار قوات الشرطة الفلسطينية في مناطق القدس، خطوة مهمة، لأن «هذه المناطق أصبحت مرتعاً للفوضى والمخدرات وهرب المجرمين من العدالة، لذلك ستقوم القوات الفلسطينية بمهمات لا تهتم بها إسرائيل».
هذا الوضع انطبق جزئياً على قطاع غزة في ظل حديث عن إمكانية زيادة نسبة مواد البناء الداخلة إليه عبر معبر «كرم أبو سالم» ليستقبل المعبر يومياً نحو ألف شاحنة.
وتشير المعطيات إلى أن الخطوات الأخيرة تزيد الاقتصاد الفلسطيني تبعية للإسرائيلي، كذلك فيه إنعاش للمرافق الخدمية والسياحية والطبية، أما الهدف الآخر فيرتبط بتحسين صورة الاحتلال أمام الرأي العام العالمي، فضلاً عن خدمة غرضه الأمني باحتواء أي تصعيد في الضفة.
يعقب الخبير في الشأن الإسرائيلي، أنس أبو عرقوب، على التسهيلات وخاصة السماح بالدخول المفاجئ لأعداد كبير من الفلسطينيين للعمل في الأراضي المحتلة، بالقول إن هذا القرار مثلاً «ليس ناجماً عن اعتراف إسرائيل بحقوق الفلسطينيين، بل لتلبية حاجات اقتصادية وسياسية بعيدة عن المعنى المفهوم من كلمة تسهيلات»، لافتاً إلى أن «التسهيلات» هو «مصطلح دعائي» تروجه إسرائيل لنفسها، فيما «حق التنقل» يكفله القانون الدولي. يضيف أبو عرقوب: «بدخول العمال يجني الاحتلال أرباحاً اقتصادية، ومنها خفض أسعار الشقق في إسرائيل الذي يتأثر بطبيعة أجر العامل العربي».
كذلك يرى الخبير في القانون الدولي، سعيد أبو فارة، أن هذه التسهيلات ليست منة من إسرائيل على الفلسطينيين، بل هي ملزمة بأن تعامل الفلسطينيين «كشعب يعيش على أرض محتلة من حقه الظروف الإنسانية... رغم وجود السلطة الفلسطينية فإنها لا تملك السيادة الكاملة». ويختتم أبو فارة بالتنبيه إلى أن «إسرائيل التي تدعي أنها ديموقراطية وتهتم بحقوق الإنسان، هي نفسها التي سعت في الكنيست إلى تطبيق القانون الجنائي الخاص على الأراضي الفلسطينية»!