دمشق | قد يكون مشهد حمل السلاح وارتداء اللباس العسكري أكثر ما تلحظه العين وتسجله عدسات وسائل الإعلام كل يوم، سواء في المناطق الخاضعة لسيطرة الدولة أو تلك الخارجة عنها، لكن ذلك لا يعني أن السلاح هو خيار السوريين الوحيد، أو أن مستقبل الشباب السوري توقف أمام خيارين يجمعهما الاغتراب عن طموحاتهم وحقوقهم، وهما: إما حمل السلاح بغض النظر عن مشروعيته وأهدافه، أو الانكفاء والتقوقع على الذات هرباً من الواقع.
هذه الحقيقة لها ما يؤيدها ويدعمها، على الأقل في كنف الدولة؛ فمثلاً، بعد أربع سنوات من الحرب هناك أكثر من 105 آلاف طالب يتابعون تحصيلهم الجامعي بشكل نظامي وأكثر من 215 ألفاً في التعليم المفتوح، والكثير من الشباب حصلوا على موافقات سفر وخرجوا للعمل... وغيرها.
وفي هذا السياق أيضاً برزت بعض الجهود المجتمعية، التي تبلورت على هيئة مبادرات أهلية اتخذ كل منها منحى مختلفاً، وكان اللافت بينها تلك التي اتخذت من تدريب وتأهيل مليون سوري هدفاً لها. وبحسب استشارية الحملة لينا ديب، فإن هدف المشروع يتمثل في «تدريب وتأهيل مليون شاب سوري، لجهة إكسابهم المهارات اللازمة لمواجهة الحياة ودخول سوق العمل، وذلك وفق معايير عالمية وبما يلبّي حاجة الشباب السوري، وتالياً المجتمع ككل، في المرحلة الحالية والمستقبلية». وبتفصيل أكثر، يحدد المدرب في الحملة، الدكتور هشام خياط، الغاية من المشروع: «الاهتمام بالمورد البشري والارتقاء بالعطاء الإنساني، بعدما أصبح التباهي يقتصر على أكبر حشد شعبي وأطول مسيرة و... إلخ، ومن هنا كان الهدف اﻷسمى هو إشغال الشباب بفعل إيجابي، في وقت أصبح فيه وقوداً للنزاع واليأس...».
أكثر من 105 آلاف طالب ما زالوا يتابعون تحصيلهم الجامعي

المبادرة، التي وفّر لها مركز الأعمال والمؤسسات السوري حاضنة أعمال لتنطلق منها، تنظم دورات تدريبية وتأهيلية تصنفها ديب بنوعين: «الأول دورات المهارات التي يستخدمها الانسان في حياته اليومية ويحتاج إليها في العمل، وأهمها البرمجة اللغوية العصبية، لغة الجسد، مهارات التفاوض، مهارات التواصل، إدارة الضغط، التعامل مع الأشخاص الصعبي المراس...». وتقدم هذه الدورات مجاناً للمتدربين لضمان وصولها إلى أكبر عدد ممكن من الشباب السوري، وفي حال رغب المتدرب في الحصول على الشهادة فإنه يسدد رسم الشهادة المعلن عنه مسبقاً، وفي حال لم يرغب فهو يحضر بشكل مجاني. أما النوع الثاني من الدورات فهو دورات «تخصصية وتتوزع إلى دورات إدارية، السلامة المهنية، مهارات الكمبيوتر، وأهم هذه الدورات ما يتعلق بإدارة الموارد البشرية، مدير الموارد البشرية، مهارات الادارة والتسويق، التعامل مع الطفل والتفوق الدراسي، دراسات الجدوى الاقتصادية، والمستويات المتقدمة من البرمجة اللغوية العصبية...». وتدعم الحملة هذه الدورات بتقديمها حسومات تصل أحياناً إلى 90% مقارنة مع أي مركز تدريبي آخر.
على أهمية مجانية ما تقدمه المبادرة ونوعية الدورات التدريبية التي يُعمل عليها، إلا أن ما يميز هذه المبادرة عن غيرها ويضعها تحت الضوء، يكمن في هدفها الرامي إلى تدريب وتأهيل مليون شاب سوري، الأمر الذي جعل كثيرين يشككون في إمكانية تحقيق هذا الهدف، متسائلين عمّا نفذ منه فعلياً على أرض الواقع، وما إذا كان الرقم فقط لترويج اسم الحملة.
هذه الشكوك كما ترى ديب «تثار مع أي خطة للنجاح، والمشككون كثر عندما يكون هناك مجال للإنجاز. وبرأيي الشخصي، فإن وقوف مثل هؤلاء عند حدود التشكيك هو أمر بسيط مقارنة ببعض الهجمات التي تتعرض لها الحملة، وتحاول التشكيك في مصداقيتها»، مضيفة في حديثها إلى «الأخبار» أنه تم تحقيق «إنجازات ليست افتراضية، بل إنجازات واقعية تتمثل اليوم في تدريب ما يصل إلى أكثر من 43 ألف متدرب و45 مدرباً، وبالتعاون مع العديد من الهيئات التي وقّعت عقوداً مع الحملة، والبارز أن بعضها ذو طابع أكاديمي، وآخرها جامعة الشام الخاصة»، من دون أن يلغي ذلك وجود صعوبات وتحديات كبيرة، إذ يربط الدكتور خياط تحقيق ذلك الهدف «بتوافر الموارد الفيزيائية والبشرية؛ فالعملية التدريبية تحتاج مثلاً إلى قاعات تدريبية، وهذه تم توفيرها عبر إنجاز شراكات مع مؤسسات خاصة وأهلية، كما أن هناك حاجة إلى مدربين، وهذا ما تعمل عليه الحملة من خلال تنظيم دورات تدريب للمتدربين. فالشكوك حيال تحقيق ذلك الرقم واردة، لكن بعزيمة ووطنية أصحاب المبادرة نحاول تبديد هذه الشكوك».
الأمر الآخر، الذي يمكن من خلاله الحكم على أهمية هذه المبادرة أو الحملة، يتعلق بالأثر المجتمعي المتحقق، وهو حدث يمكن مقاربته بأساليب عدة، منها الانتشار وتفاعل المجتمع المحيط، وهنا تؤكد ديب أن «فكر الحملة ينتشر، فمثلاً يكفي أن يتحدث كل متدرب لشخص واحد فقط من عائلته أو أصدقائه لنجد أن الرقم يتضاعف، فما بالك إن علمت أن بعض العائلات بدأت تحضر ضمن برنامج الحملة وصولاً إلى الآباء، حتى إنه في إحدى دورات المهارات حضر الرجل مع ابنته وحفيدته»، وعليه فإن «الوقت المتوقع لتحقيق هدف الحملة هو خمس سنوات كحد أقصى».
كذلك عملت المبادرة مع عدد من مؤسسات المجتمع الأهلي، منها، كما يذكر الدكتور خياط، «مركز اﻷعمال والمؤسسات السوري كجهة محتضنة وراعية، وفي اللاذقية كان هناك تعاون مع جمعية المدى، وأخيراً كان للجمعية السورية للمعلوماتية دور مهم كجهة شريكة، أما الدولة فكانت على الحياد، ولم يسبق أن قدمت أي دعم أو تعاون، وتالياً فإن الحملة تعتمد كلياً على الجهد التطوعي في إدارتها وخدماتها، ﻷن ما يصلها من عائدات من بعض الدورات بالكاد يغطي نفقات التدريب والشهادات».