بغداد | للوهلة الأولى، لم يكن الإعلان عن مقتل خليفة الرئيس العراقي الراحل، صدام حسين، في حزب «البعث» والرجل الثاني في نظامه البوليسي، عزت إبراهيم الدوري، محط اهتمام كبير عند الشارع العراقي؛ فالقيادات الأمنية والحكومات المتعاقبة بعد 2003 أعلنت إصابة الدوري ومقتله واعتقاله عشرات المرات، وفي كل مرة تدحض تلك الروايات إما من السلطات الرسمية نفسها، وإما عبر المواقع التابعة لحزب «البعث»، وأبرزها في نيسان 2013 حينما أعلن اعتقاله في الموصل.
هذه المرة، يبدو أن تسارع التصريحات المؤكدة للنبأ على لسان القيادات الأمنية والميدانية في محافظة صلاح الدين، مسقط رأس الدوري، وبث صور أولية لجثته جعلت الشارع يتابع شاشات التلفاز. ومن ينظر للصورة الأولى للرجل التي تظهر رأسه وأجزاء من جسده، يسيطر على باله سؤال واحد بشأن من شغل بال العراقيين شعبا وحكومة طوال 12 عاما وهو متهم بأعمال العنف والإرهاب التي استهدفت العراقيين بعد سقوط نظام صدام: كيف قتل الدوري؟
يؤكد مصدر في وزارة الصحة وصول جثة الدوري إلى العاصمة بغداد، حيث ستخضع لفحوص DNA ومطابقة البصمات، موضحا أن الفحص المذكور قد يستغرق عدة أسابيع، ولكن هذا «ليس متعلقا ببطء الإجراءات أو الروتين، بل هو الأسلوب المعمول به».
تعددت الروايات عن طريقة استهدافه، فيما تبنت «العصائب» العملية

أما عن الروايات، فإنها تكاد تجمع على أن مقتل الرجل كان بالمصادفة ومن دون تخطيط مسبق، إذ إن قائد العملية والمشرف عليها، حيدر البصري، أكد في تصريح متلفز أن استهداف الدوري جاء بعد تلقي معلومات تفيذ بوجود سيارتين من نوع «بيك اب» تتنقلان بين حقل علاس النفطي ومرتفعات جبال حمرين، وإثر ذلك جرى استهدافهما.
رواية أخرى قدمها محافظ صلاح الدين، رائد الجبوري، الذي قال إن «مواجهات جرت بين القوات الأمنية والحشد الشعبي، وإرهابيين في منطقة حمرين بالقرب من حقول علاس، أدت إلى مقتل الدوري»، مؤكداً لـ«الأخبار» استمرار العمليات العسكرية في تلك المناطق.
لكن الرواية الثالثة التي اختلفت عن سابقتيها فكانت من حركة «عصائب أهل الحق»، وهي من أبرز الفصائل المشاركة في الحشد الشعبي، إذ تبنت العملية قائلة إن من نفذها هم «مجموعة من أبناء المكون السني وقد تلقوا تدريبات على يد الحركة (الشيعية) بعد انتمائهم إليها».
يقول المتحدث باسم «العصائب»، نعيم العبودي، لـ«الأخبار»، إن «من نفذوا عملية قتل المجرم عزت الدوري هم مجموعة من أبطال المقاومة الإسلامية من أهالي ناحية العلم ويعرفون باسم عصائب العلم وعصائب الجبور»، مشيرا إلى أنهم ينتظرون نتائج تحليل الحمض النووي «برغم أننا متأكدون من أنه الدوري».
أيضا تحدث القيادي في الحشد الشعبي والأمين العام لمنظمة «بدر»، هادي العامري، في القضية نفسها، مشيرا إلى أن «قوة من اللواء الخامس في الحشد بالاشتراك مع قوة من حشد ناحية العلم (شرق تكريت) تمكنتا، من قتل الإرهابي عزت الدوري بعد رصده في موكب مؤلف من ثلاث سيارات».
في السياق، أفاد مصدر عسكري بأن «الموكب الذي كان يستقله الدوري ضم تسعة من القياديين في حزب البعث وما يسمى جيش رجال الطريقة النقشبندية لم يجرِ التعرف عليهم بعد».
مقابل هذه الروايات، نقلت قناة «العربية الحدث» عن حزب «البعث» نفيه مقتل زعيمه، بل أصر الحزب على أن الدوري «موجود ويتجول في مناطق العراق مع الشرفاء»، كما ذكرت وكالة «الاستقلال»، المقربة من «البعث»، أن الدوري سيلقي لاحقا خطابا لنفي أنباء مقتله.
وحتى ظهور الرواية الأدق ونتائج الفحص، فإن التعاطي مع مقتل الدوري سياسيا سيمثل «صيدا ثمينا» للحكومة العراقية وسيعزز موقفها في محاربة تنظيم «داعش»، وهو تحديدا ما ذهب إليه أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، إحسان الشمري، بقوله إن «مقتل الدوري سيضاعف جهود محاربة داعش بعد تراجعه في الأنبار وبيجي خلال اليومين الماضيين».
وأضاف الشمري: «من الطبيعي استثمار هذا الموضوع من أجل الضغط والحرب النفسية، وفي كل الأحوال هي ضربة قاصمة للبعث».
وعزت الدوري الذي ولد في تموز 1942 كان الرجل الثاني إبان حكم صدام حسين، إذ شغل منصب نائب رئيس مجلس «قيادة الثورة» الذي ترأسه صدام، وقبلها تقلد عدة مناصب من بينها وزير الداخلية ووزير الزراعة. «اخرس لعن الله ابو شاربك انت امام العراق العظيم»، كانت تلك آخر جملة للدوري وقد اشتهر بها عراقيا وعربيا بعد مشادة كلامية مع الوفد الكويتي في مؤتمر القمة الإسلامية في الدوحة (آذار 2013) قبيل سقوط النظام بنحو شهر.
وقد اختفى الدوري عن الأنظار بعد 2003 مع أنه كان الشخص الثاني في قائمة المطلوبين الـ55 للولايات المتحدة، ثم أعلن «البعث» بعد إعدام صدام في 2006 تسلم الدوري منصب الأمين العام. وفي السابع من نيسان 2012 ظهر الرجل في أول تسجيل مرئي منذ 11 عاما بمناسبة الذكرى الـ65 لتأسيس الحزب، وقبلها في أواخر 2009 أعلن أنه أنشأ «جبهة الجهاد والتحرير والخلاص الوطني التي انبثق عنها تنظيم «النقشبندية».
أما التسجيل الصوتي الأخير، فكان الأكثر جدلا، إذ إن الدوري بعد أحداث الموصل بنحو شهر، أشاد بتنظيمي «داعش» و«القاعدة» داعيًا إلى تجاوز الخلافات ومواصلة ما سماه «التحرير» عقب تمكن «داعش» من السيطرة على عدد المناطق الشمالية.
وسرت شائعات خلال انطلاق العملية العسكرية لتحرير تكريت، الشهر الماضي، عن وجود الدوري مع ابنتي صدام (رغد وحلا) في المدينة، ولكن المتحدث الرسمي باسم «الحشد» قال إن تلك المعلومات «محاولة لتشويه الحقائق والتقليل من حجم الانتصارات»، فيما سبق ذلك إعلان «مجلس شيوخ عشائر صلاح الدين» الذي يقاتل «داعش»، أن الدوري هرب في آب الماضي إلى سوريا ولم يعد إلى العراق منذ ذلك التاريخ.