استدانت الحكومة العراقية 12 مليار دولار (عبر إصدار سندات خزينة بهذه القيمة) لتدفعها لشركات النفط الأجنبية عن عام 2014 فقط لقاء استخراجها، ورب قائل نهبها لثروته الطبيعية الوطنية؛ كما فوضت الحكومة العراقية الوزارات المختصة بالتفاوض مع المقاولين والشركات لإبرام عقود لتنفيذ المشاريع العامة بطريقة «الدفع الآجل، أو أي وسيلة متاحة للاقتراض»، وبقيمة تبلغ حوالى ملياري دولار، ما يعني ديناً إضافياً بالقيمة نفسها.
وفي ظل صمت مطبق حول الفشل، أو ربما الامتناع عن إعادة بناء القطاعات الإنتاجية (والبنى التحتية الداعمة لها) التي دمرها الحصار والحروب الأطلسية، يكثر الحديث عن معاناة العراق من «أزمة سيولة مالية» في ظل تراجع موارده، جراء تدني أسعار النفط وارتفاع الإنفاق العسكري لمواجهة «داعش»؛ ما يعطي حكومة بغداد الذريعة الملائمة لاعتماد «سياسة تقشف» تخفض النفقات في موازنة العام الحالي، والبالغة 102 مليار دولار، وتحمل عجزاً بنحو 21.4 مليار دولار، في ظل اعتماد اقتصاد ما بعد الاجتياح الأميركي على تصدير النفط بنسبة 94% منه. كما يوفر الإكثار من الكلام حول شكوى الشركات العالمية من استشراء الفساد المالي والاداري وانعدام كفاءة جهاز الدولة، الغطاء المناسب للسير بخطة «الإصلاح الاقتصادي» وفق استراتيجية رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي للسنوات 2015 – 2030، والتي تهدف إلى «تنشيط القطاع الخاص، بدءاً بتطوير القطاع المصرفي الذي يُنتظر أن يقوم بدور فاعل في تمويل تنفيذ المشاريع وتنويع مصادر الدخل». ومن المعلوم أن القطاع المصرفي هو قطاع وسيط بين المدخرين وطالبي التمويل، ولا يجوز أن تمثل تنميته هدفاً بحد ذاته، وفق أدبيات التنمية؛ حيث تدل التجارب العالمية، أو بالأحرى العالم ثالثية، على أن السياسات المرتكزة على تعويم هذا القطاع أنتجت في معظم الأحيان واقعاً حيث ينتفخ هذا القطاع على حساب سائر قطاعات الاقتصاد، ولا سيما المنتجة منها.
وفي حين تهدف استراتيجية العبادي إلى «تحسين بيئة الأعمال» لتناسب القطاع الخاص، أي «تحرير» الأخير من العديد من الضوابط القانونية والمؤسساتية العامة، يرى مراقبون أنه في حين تهدف خطة العبادي إلى تطوير القطاع الخاص، مع إبقاء السيطرة للقطاع العام على المفاصل الأساسية للاقتصاد العراقي، ترتفع أصوات عديدة لانتهاج سياسة الخصخصة الشاملة «والتحول إلى اقتصاد السوق»، استكمالاً لسياسة بول بريمر الذي نصبه الاحتلال الأميركي «حاكماً مدنياً» للعراق عقب اجتياحه عام 2003. وكان بريمر قد أصدر حينها «الأمر رقم 39» الذي شرع لخصخصة شركات القطاع العام؛ ومنذ ذلك الوقت حتى اليوم عُقدت مؤتمرات وندوات وورشات عمل عديدة، لكنها لم تؤد إلى النتائج الكاملة التي كان يتوخاها الاحتلال.
وفي السياق نفسه، ينتقد وزير التخطيط والتعاون العراقي السابق، مهدي الحافظ، «احتكار (القطاع العام العراقي) أهم المفاصل الاقتصادية الأساسية في معظم القطاعات والنشاطات الخدمية»، معتبراً أن عدد العاملين في القطاع العام، أي حوالى أربعة ملايين موظف ومستخدم، هو عدد كبير جداً نسبة إلى العدد الإجمالي للسكان، بما «يتناقض من حيث الكلفة المالية مع حاجات الاستثمار الوطني». ويدعو الحافظ إلى «درس خيارات التخصيص في سياق التنمية الوطنية، وطرح برنامج عملي للتحويل من الملكية العامة إلى الخاصة لعدد كبير من المؤسسات».

(الأناضول، الأخبار)