بغداد | لليوم الثاني على التوالي لا يزال الغموض والضبابية يكتنفان الوضع في محافظة الأنبار بعد تقدم لافت لتنظيم «داعش» في مدينة الرمادي، مركز المحافظة، تمثل في سيطرته على مناطق مهمة كالسجارية والصوفية والبوغانم والبو سودة والبو محل وغيرها، في ظل استمرار المناشدات والاستغاثات من قبل الأهالي الذين بدأوا بعملية نزوح كبيرة باتجاه العاصمة بغداد والمدن الآمنة، والقيادات الأمنية والجنود الذين أصبحوا في وضع يرثى له.
السلطات الرسمية العراقية فندت كافة الروايات للمصادر الأمنية والحكومة المحلية في الأنبار، حيث أصرّت على أن الوضع مسيطر عليه في الرمادي، معترفة في نفس الوقت بسيطرة «داعش» على مناطق محاذية وتقع في أطراف الرمادي.
الناطق الرسمي بإسم وزارة الداخلية والعمليات العسكرية المشتركة، العميد سعد معن، قال إن «الرمادي بالكامل تحت سيطرة القوات الأمنية العراقية»، مبيناً أن «ما تردد عن سيطرة تنظيم داعش الإرهابي على مناطق في الرمادي غير دقيق، لأن المناطق التي سيطر عليها داعش جزئياً تقع في أطراف الرمادي أو محاذية لها».
«الحشد الشعبي» وقوات
محلية سينفذان عملية مشتركة لتحرير مصفاة بيجي

معن كشف عن «استعدادات أمنية وعسكرية مكثفة تجري حالياً لشن عملية عسكرية كبيرة لاستعادة المناطق التي تمكن داعش من السيطرة عليها في وقت سابق»، متهماً «جهات مغرضة ووسائل الاعلام بمحاولة إسقاط الرمادي إعلامياً».
لكنّ مصدراً أمنياً نفى تصريحات الناطق باسم وزارة الداخلية، مؤكداً أن «داعش يسيطر على الجزء الشرقي بالكامل من الرمادي، وأكثر من ٧٠٪ من الجزء الغربي»، مضيفاً أن «داعش يحاول فتح جبهتين جديدتين باتجاه مقر قيادة عمليات الأنبار ومركز المباني الحكومية». في هذه الأثناء، أبلغ ضابط موجود في الرمادي «الأخبار» أن الوضع في المدينة يزداد سوءاً في ظل حالة يرثى للجنود وأبناء العشائر المساندين للقوات العسكرية من نفاد العتاد وقلة التسليح والتجهيز ونقص كبير في المواد الغذائية. ويؤكد الضابط أن بعض الضباط والجنود فضّلوا الجلوس ووضع سلاحهم جانباً بعد نفاد ذخيرتهم لانتظار مصيرهم «بسبب خذلان حكومتي الأنبار وبغداد لهم وعدم دعمهم»، مضيفاً «نحن نشاهد الآن عناصر داعش أمامنا يتنقلون بين محلة وأخرى». ووسط تسارع الأحداث في المدينة، أكد رئيس الحكومة حيدر العبادي، في رسالة مباشرة لأهالي الأنبار خلال لقائه بالجالية العراقية في أميركا، أن الحكومة لن تتخلى عن «أهالي الرمادي وحديثة وعامرية الفلوجة والمناطق التي صمدت»، مشدداً على أن «الانتصار سيكون للعراق والعراقيين». لكن العبادي لم يبدُ متفائلاً بشأن تسارع الأحداث وازدياد حدة المواجهة مع «داعش»، مشيراً إلى أن «داعش» لا يزال يظهر صموداً وقدرة كبيرة على المناورة «إنهم عقائديون... وفي وضع متأزم. ولهذا هم يظهرون قتالاً شرساً».
وأقرّ العبادي بأن المعركة الأهم للعراق، وهي استعادة الموصل، لا يزال أمامها أشهر، ولن تحدث إلا بعد شهر رمضان الذي ينتهي في منتصف تموز المقبل. في ظل ذلك، تبقى قوات «الحشد الشعبي» سيدة الموقف التي ينظر إليها الجميع على أنها القادرة على قلب الموازين وتغيير المعادلة على الأرض. لكن ماذا يمنع دخولها للأنبار، خصوصاً بعد المرونة التي أبداها حتى معارضو دخول «الحشد»؟ رئيس لجنة الأمن والدفاع، حاكم الزاملي، قال خلال جلسة البرلمان العراقي أمس إن «دخول الحشد الشعبي إلى الأنبار بحاجة إلى قرار سياسي وتوافق بين سياسيي الأنبار»، مشيراً إلى أن «قيادة العمليات المشتركة أعلنت فتح الطريق بينها وبين قيادة الشرطة وإيصال إمدادات عسكرية وغذائية إلى الرمادي».
إلا أن مصدراً في «الحشد الشعبي» شدد على أن قوات «الحشد» غير معنية بمواقف السياسيين، وأنها تأتمر بأمرة القائد العام للقوات المسلحة رئيس الحكومة حيدر العبادي. وأضاف المصدر في حديثه إلى «الأخبار» أنه «كثر الحديث خلال الأيام والساعات الماضية عن الحشد الشعبي والأنبار، ونحن نؤكد من جديد أننا ننتظر أوامر القائد العام للقوات المسلحة حيدر العبادي للتحرك».
رئيس مجلس «إسناد الفلوجة»، الشيخ عبد الرحمن النمراوي، قال في حديث إلى «الأخبار»: «لا نراهن على أميركا وتحالفها. نريد الحشد الشعبي ونرحّب به في الأنبار»، محمّلاً «السياسيين والمسؤولين في المحافظة مسؤولية تدهور أوضاع الأنبار منذ عام وسيطرة داعش على بعض المناطق». في غضون ذلك، استبعد الناطق باسم وزارة الدفاع الأميركية، الكولونيل ستيف وارن، سيطرة تنظيم «داعش» على مدينة الرمادي، معلناً تكثيف غارات التحالف الدولي في محافظة الأنبار.
وقد سارعت قيادة عمليات بغداد أمس إلى تشكيل لجنة مشتركة مع الحكومة المحلية في بغداد لتهيئة أماكن للعوائل النازحة من الأنبار إلى بغداد، حيث أكد مصدر في القيادة لـ«الأخبار» دخول أكثر من 3000 نازح إلى العاصمة، وتخصيص مكانين لإيوائهما واستيعابهما في جنوب وشمال بغداد. المصدر أفاد بأن «قراراً صدر سمح للنازحين بالسكن عند أقاربهم في بغداد شريطة أن يتم كفالتهم، خشية تسلل أو اندساس عناصر من داعش مطلوبين للقضاء بينهم». شمالاً، لا تزال الأنباء تتضارب بشأن مصير مصفاة بيجي، إحدى أهم وأكبر المصافي النفطية في البلاد، حيث أكد وزير النفط عادل عبد المهدي أن المئات من مسلحي «داعش» ما زالوا موجودين في أجزاء من المصفاة البالغة مساحتها 20 كلم مربعاً، وذلك بعد ساعات من تصريحات لمسؤولين محليين في المحافظة أكدوا فيها تحرير المصفاة بالكامل واستعادة السيطرة عليها.
في تلك الأثناء، أكد مسؤول محلي رفيع في محافظة صلاح الدين أن «داعش يسيطر فعلياً على أجزاء ليست بالقليلة من المصفاة ويتقدم باتجاه أجزاء أخرى منها. والقوة المكلفة بحمايتها أصبحت في حالة دفاع». ويشير المسؤول في حديث إلى «الأخبار» إلى أن «القوة المدافعة تنتظر وصول تعزيزات وقوات إلى المصفاة لدحر عناصر داعش».
وكشف المسؤول الموجود في إحدى مناطق صلاح الدين المستقرة نسبياً أن «مجلس محافظة صلاح الدين يتباحث مع بعض فصائل الحشد الشعبي ويجري معهم تنسيقاً لتنفيذ عملية عسكرية باتجاه قضاء بيجي وصولاً إلى المصفاة، واتفقنا على يوم التنفيذ»، وذلك بعد أيام من مطالبة المجلس بخروج «الحشد» بعد اتهامه بارتكاب انتهاكات وتنفيذ عمليات حرق وسلب ونهب.
المسؤول نفسه أكد أن «التعزيزات العسكرية تصل تباعاً إلى بيجي وصلاح الدين، وأثمرت خلال اليومين الماضيين تحرير مبنى الحكومة المحلية في قضاء بيجي (القائمّقامية) وبعض الأحياء المحيطة به».