مثّلت مواقف الشيخ نمر باقر النمر سيفاً على رقاب آل سعود. لم يفسح لهم المجال للتشكيك في نواياه الوطنية. عينةٌ من إحدى خطبه، كانت كافية لوضع آل سعود في قفص الحقيقة، قبل إعتقاله بخمسة أشهر. يومها، أكّد النمر، أن «الشعوب بريئة من حكّامها ولو صُبغت بالطائفية». وبمراجعة مواقف النمر وتسجيلاته، يظهر، وبشكلٍ حاسم، أنّ النظام السعودي حاول وبأدواته الإعلامية إبراز القضية بشكلٍ «طائفي»، غير مكترثٍ بعواقب ذلك. فجاء إعدام النمر إلى جانب كوادر من تنظيم «القاعدة»، بتهمة «إثارة الفتنة» و«الإرهاب». تهمٌ، لا تختلف عن ملامح القتلة، في حين، تسوح أبواق الفتنة وتعبّئ «وصالها» فضاء المملكة التي ارتأت أن تكون قلباً لكل شرايين الإرهاب الممتدة في العالم.
فمفارقات نظام آل سعود، كافية لتفسير العقل «الصبياني»، وكيفية تحكّمه بالقرارات الملتوية. فكلّما أمعنت سلطاتهم في الإنحدار نحو الهاوية، تبرز أحكامها على النشطاء. خشي ولي عهد آل سعود، محمد بن نايف، النمر حتى بعد قتله. رفض، منتهكاً حقّه وحق عائلته، تسليم جثمانه إلى ذوية لتشييعه، الذي سوف يغطّي، بجمعه الغفير، كل أصوات الحقد والتشويه الإعلامي للقضيّة.
الناشط السياسي السعودي، حسين باقر، أحد أبناء القطيف، أشار في حديث إلى «الأخبار» إلى أن غموضاً يلفّ تنفيذ الحكم بحق النمر، إذ يشترط في تنفيذ أي حكم إعدام، وفق القوانين المتبعة في المملكة، أن يوقّع المحكوم عليه حكم إعدامه، وإن لم يوافق، تُعاد المحاكمة من جديد. ويستبعد باقر أن يكون النمر قد وقّع، نظراً إلى «مواقفه الرافضة لأصل المحاكمة»، ولمجمل الإتهامات التي سيقت ضده.
قضية النمر، رافقتها إنتهاكاتٌ لا تحصى، منذ اعتقاله حتى استشهاده. تلقّى رصاص قوات النظام، حين اعتقل في تموز 2012. وأصيب في فخده دون أن يتوافر له أي رعاية طبية في السجن. وزعمت السلطات، حينها، بأن اطلاق النار عليه، كان رداً على إطلاق نارٍ من جانب مرافقيه. يذكر باقر، الطريقة «العصاباتية» التي اعتقل بها النمر، مشيراً إلى أن السلطات عملت على اتهامه بتأسيس «عصابة إرهابية». وأكّد أن «الشيخ كان يتنقل وحيداً»، دون أي مرافقة أو حماية، لافتاً إلى أن لحظة اعتقاله، لم يكن أحد يعلم بها من محبّيه.
بقي النمر عاماً دون محاكمة. لم تتم إحالته إلى أي محكمة خلال تلك المدّة. لم توجّه له أي تهم، حتى ان عائلته لم تُبلّغ بأي سبب عن الإعتقال. بل وجّهت له إتّهامات من قِبل المدعي العام، خلال التحقيق فقط. ولم يكن هناك أي إجراء عملي تنفيذي ضده حتى 25 آذار 2013، حيث مثَل أمام المحكمة الجزائية المخصصة بالنظر في «قضايا الإرهاب»، في العاصمة الرياض. واتهمته بسلّة من التهم المعتادة على النشطاء السلميين، كـ«الخروج على ولي الأمر»، و«إشعال الفتنة الطائفية»، و«حمل السلاح في وجه رجال الأمن»، و«جلب التدخل الخارجي»، إضافةً إلى «دعم حالة التمرد في البحرين».
وبعد 800 يوم من الإعتقال التعسفي و11 جلسة محاكمة، كانت مثقلة بمختلف الإنتهاكات للمعايير الدولية في المحاكمات العادلة، حدّدت «المحكمة الجزائية»، والتي استخدمت منذ إنشائها لملاحقة النشطاء بتاريخ 15 تشرين الأول 2014، موعداً للنطق بالحكم. حكمت على الشيخ النمر بالقتل تعزيراً. وهنا أيضاً، من ناحية شكل المحاكمة، ثمة انتهاك آخر للقانون الدولي و«الإسلامي» الذي تزعمه المملكة. يشير باقر، إلى أنّ «الحكم التعزيري ليس قصاصاً، إنما هو حكم يستخدمه القضاء السعودي في أروقته، عندما لا يجد أي نص شرعي لإدانة المتهم». فهو «إجتهاد قضائي» متروك لتقدير القاضي، فكيف إذا كان صادراً من قضاء معيّن من وزارة العدل، وبتدخل من وزارة الداخلية، التي يتربع على رأسها محمد بن نايف؟
ويلفت باقر، في هذا الصدد، إلى أنّ التعزير، حكم وُجد في قانون آل سعود «لجلب المصلحة ودرء المفسدة» في الحالات التي لا تغطيها الشريعة، كما يزعم حقوقيو النظام. أي انّه حكم، لا يتفق مبدأ الشرعية الاسلامية، لأنه لا يقوم على حكم شرعي معين، بل يعود لمزاج القاضي. وفي حالة كحالة الشيخ النمر، لا شكّ بأن «المفسدة» بالنسبة لنظام آل سعود في إعدام شخصية كالنمر، أكبر من المصلحة، وخصوصاً أنّ هناك إجماعا إسلاميا على مظلوميته. إذ طالبت دول كبرى، ومنظمات حقوقية، ومرجعيات إسلامية، ودور إفتاء سنية وشيعية، بوقف تنفيذ الإعدام، وإطلاق النمر. وكان على القضاء اذا أراد «جلب المصلحة ودرأ المفسدة» في هذه الحالة، أن يصدر عفواً عن المتهم، أو أن يصدر في أسوأ الأحوال، حكماً مخففاً كما جرت العادة، إلا أنّ اصرار بن نايف على تنفيذ الحكم بالنمر، يؤكدّ، كما يشير باقر، إلى أنّ المحاكمة أخذت «طابعاً شخصياً»، وهذا انتهاك آخر للقوانين الدولية والشرعية.
أما النمر، فقد رفض المحاكمة، والإتهامات التي وجهت إليه. رفض البيعة القهرية، مؤكداً على حقه في الدفاع عن قضايا منطقته من مظلومين ومعتقلين. وردّ على كل إدعاءات النظام بـ100 صفحة، قبل عام. عرّى فيها الأحكام والتهم التي أُطلقت عليه. فكان هو محامي الدفاع عن نفسه. أما السلطات، فأدارت لهذه الردود الأذن الصماء، لأن المحاكمات في مملكة «الوهابية»، تعتمد على المزاج الملكي. وهذا ما أكدته منظمة «العفو الدولية» في تقريرها، واعتبرت المحاكمة «تصفية حسابات سياسية تحت غطاء مكافحة الإرهاب». بدوره، رأى مدير المنظمة في الشرق الأوسط، فيليب لوثر، الجريمة «محاولة لإسكات الإنتقادات والنشطاء»، مؤكداً أنّها «غير عادلة بوضوح».
ولم تكتفِ سلطات آل سعود عند هذا الحد، بل أمعنت في تأسيس محاكمة تخلو من العادلة. عملت طوال فترة الإعتقال، على تكميم أفواه كل من كان لهم اتصال مباشر بالنمر، من عائلته إلى محاميه، حيث أوقفت المحامي صادق الجبران، والذي كان يطلع الأهالي على سير المحاكمة. فمنعته من متابعة عمله، وهددته، وأجبرته على توقيع تعهد بعدم الإدلاء بأي تصريح لوسائل الاعلام حول القضية.
إلا أن شقيق النمر، محمد، لم يلتزم أوامر السلطات، وبقي يطلع الناس على سير المحاكمات. إلى أن هددته السلطات مؤخراً، قبيل صدور الحكم، بحرمانه حقوقه المدنية. ومنعته من السفر لعدم اجراء مقابلات مع وسائل إعلام في الخارج، لا تستكين لحكم آل سعود.
محاولتان لقتل النمر، لم تنجحا في القضاء عليه. بدأت الأولى بتشويه صورته السلمية، ومرّة أخرى بإعدامه. صقلت هذه المحاولات النمر أكثر، فزاد نقاءً وشموخاً في صدور عارفيه، وحوّلته من كلمة حرّة، إلى رمز للحرية.