اختلف المشهد في واشنطن بين الاستقبال الأخير لرئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي واستقبال خلفه حيدر العبادي، أمس. ليس الاختلاف، فقط، لجهة التغير الكبير الطارئ على مسار الأحداث في بلاد الرافدين وعبورها إلى زمن تمدد تنظيم «داعش». بل يكمن الاختلاف الجوهري في طبيعة الخطاب الأميركي المتوجه إلى العراقيين وفي تكثيف المحاولات لرسم أطر السياسة الداخلية ودور القوى الإقليمية، وهو دور ما كان ليتأمن بعد انسحاب عام 2011 من دون وجود مقاتلات «التحالف الدولي» في السماء العراقية، بحجة أو بأخرى.
وقد أشارت التصريحات الصادرة على هامش الاجتماع المنعقد في البيت الأبيض أمس، بين الرئيس باراك أوباما ورئيس الوزراء حيدر العبادي، إلى انتقال أميركي واضح من مرحلة التهديد بضرورة إدخال تعديلات على صيغ الحكم إلى مرحلة الإعلان أنّ الإدارة الأميركية عادت لتكون طرفاً رئيسياً يملك خيوطاً عديدة في إدارة السياسة العراقية.
قال أوباما، إثر اجتماع في البيت الابيض مع رئيس الوزراء العراقي، «نحقق تقدماً كبيراً في التغلب» على تنظيم «الدولة الاسلامية»، معلناً من جهة أخرى زيادة المساعدة الانسانية الاميركية للعراق بقيمة 200 مليون دولار.
أعلن أوباما
زيادة المساعدات الإنسانية للعراق

وفي الوقت الذي لفت فيه أوباما إلى أنه يريد «ضمان قدرة القوات العراقية على النجاح» في عملياتها، مؤكداً على الجاهزية التامة لتقديم الدعم إلى القوات العراقية «ضمن جهودنا لتحرير كل الأراضي العراقية»، امتنع عن تأكيد ما إذا كانت واشنطن ستقدم طوافات «أباتشي» أو طائرات من دون طيار. وقال البيت الأبيض في وقت لاحق إن العبادي لم يقدم طلبات محددة بشأن مساعدات عسكرية من الولايات المتحدة خلال الاجتماع.
وقد تحدث الرئيس الأميركي إلى الصحافيين بالقول إنّ القوات العراقية باتت في حالة أفضل منذ وصول العبادي إلى رئاسة الوزراء نهاية الصيف الماضي.
وفي نقطة مهمة تشير إلى أبعاد الحديث الأميركي، قال أوباما إنه تباحث والعبادي باستفاضة في مسألة الدور الإيراني في المعارك الدائرة. وقال: «نتوقع أن تكون لإيران علاقة مهمة مع العراق باعتبارها جارة قريبة»، مستدركاً: «نتوقع أن يمر أي دعم خارجي للمساعدة في هزيمة الدولة الإسلامية عبر الحكومة العراقية». وفي رسالة واضحة إلى طهران، قال إنه يجب على «المقاتلين الأجانب في العراق احترام سيادته عندما يقدمون المساعدة» في القتال ضد تنظيم «داعش».
ويرتبط الحديث عن الدور الإيراني، في جزء منه، بالرؤية الاميركية لوضعية قوات «الحشد الشعبي» في العراق، وكذلك لضرورة مشاركة طائرات «التحالف الدولي» في أي معارك مقبلة، بخلاف ما حاولت ترسيخه بدايات معارك تكريت مؤخراً.
وفي مسألة أخرى، أشار الرئيس الأميركي إلى أنّ التزامات العبادي في إشراك مجمل المكونات العراقية في الحكومة «وفي صنع القرار» مسألة حساسة.
من جهته، قال العبادي إنّ «العراق يواجه هجمة شرسة من الارهاب الذي يهدد المنطقة والعالم وحقق انتصارات مهمة»، مضيفاً (وفق البيان الذي نشره مكتبه) أن «البلدين يسعيان لتعزيز العلاقات الثنائية ضمن اتفاقية الاطار الاستراتيجي (2008)».
ورأى رئيس الوزراء العراقي الذي استبق لقاءه بأوباما بلقاء نائبه جو بايدن، أنّ «التحدي الذي نواجهه يتطلب التعاون مع دول المنطقة والعالم لمواجهته... ونحن بالرغم من دخولنا في هذه الحرب، فإننا نحترم حقوق الانسان وندافع عنها»، لافتاً إلى أنّ «الاختراقات التي حدثت كانت من مندسين حاولوا الاساءة الى الانتصارات المتحققة على الارهاب، ولا ينبغي تحميل الحشد الشعبي مسؤولية هؤلاء المندسين». وشدد على أن «تعامل الحكومة مع جميع الدول التي تريد تقديم المساعدة يقوم على أساس احترام سيادة الاراضي العراقي، وهو أيضاً ما أكده الرئيس أوباما».
وفي سياق آخر، قال العبادي إنّ «التنسيق بشأن الموصل أحد أسباب زيارتي لأميركا التي أبدت استعدادها للمساعدة».
وجاء اللقاء في البيت الأبيض بعد ساعات على إعلان وزارة الدفاع الاميركية (البنتاغون) أن «داعش» خسر بين «25 وثلاثين في المئة» من الاراضي التي كان يسيطر عليها في العراق بعد بدء الضربات الجوية من قبل «التحالف الدولي» بقيادة الولايات المتحدة وهجوم عراقي. كذلك تزامن مع سلسلة هجمات وقعت في بغداد وجنوبها في انفجار خمس سيارات، أدت إلى مقتل 15 شخصاً، على الأقل.
(الأخبار، أ ف ب، رويترز)