استنفدت الضربة الجوية أهدافها، أو تكاد. وحتى اللحظة، ليس هناك انجاز سوى قتل وتشريد مئات آلاف المدنيين. وفي الموازاة، عجز النظام السعودي عن توريط باكستان ومصر وتركيا في غزو بري، في مقابل تقدم مستمر لقوات الجيش اليمني و«انصار الله» في مسيرة السيطرة على كامل محافظات اليمن. الدول الإقليمية والدولية انشغلت في التدقيق بالنتائج المباشرة وآثار الحرب القائمة. والتركيز الآن في البحث عن مبادرة دبلوماسية تحفظ ماء وجه الرياض، ويقبل بها تنظيم «أنصار الله»، في وقت كان فيه الرئيس الفارّ عبد ربه منصور هادي يعيد ترتيب بيته الداخلي بتعيين رئيس الحكومة المستقيلة خالد البحاح نائباً للرئيس.
وقالت مصادر إقليمية معنية باليمن، لـ«الأخبار»، إن فشل المساعي التي قامت بها الجزائر وسلطنة عمان، كشفت عن ميل عربي، ولا سيما مصري، بالتوجه صوب القوى الاسلامية الاقليمية المعنية بالازمة. وعلم ان اتصالات تجرى الآن بين ايران وتركيا وباكستان، للبحث في صيغة حل، تدعمه الجامعة العربية وتؤيده العواصم العالمية، ويكون مخرجاً للأزمة التي تواجه حكومة آل سعود.
تشهد العاصمة الايرانية اجتماعات غير معلنة بين اطراف معنيين بالازمة اليمنية

وحسب المصادر، إن الحديث هو عن مبادرة تقوم على أساس حوار يمني - يمني تستضيفه دولة محايدة، يقود إلى مخرج سياسي يوقف الحرب القائمة، ويعيد جميع القوى الى العاصمة اليمنية لعقد مجلس وطني من ممثلين لجميع القوى القبائل (على شاكلة اللوياجيرغا الأفغاني) ويضم أعضاء مجلس النواب وممثلين عن القوى والأحزاب السياسية والقبائل. ويقوم هذا المجلس بتشكيل مجلس رئاسي يكون الرئيس الفار احد اعضائه، مع حكومة انتقالية بصلاحيات واسعة لإدارة البلاد، ويترافق ذلك مع قيام لجنة وطنية بعملية «إصلاح الدستور». ومن ثم يجري التحضير لانتخابات برلمانية ورئاسية تنبثق منهما سلطة دائمة.
في السياق، قال دبلوماسي جزائري إن بلاده تعمل بدورها على صياغة مبادرة جديدة أهم بند فيها «حوار مباشر بين الطرفين الأساسيين في الأزمة اليمنية»، وهما حكومة عبد ربه هادي و«أنصار الله». وأضاف أن الجزائر عرضت استضافة «حوار بين أطراف الأزمة الداخلية في اليمن فقط وأن يقام على مبدأ احترام الشرعية الدستورية ومشاركة الأطراف الفاعلة في الساحة اليمنية في السلطة»، على ان تأخذ هذه المبادرة في الحسبان تطور الوضع الميداني العسكري على الأرض.
وفي هذا السياق، تشهد العاصمة الايرانية اجتماعات غير معلنة بين اطراف معنيين بالازمة اليمنية، كذلك ابلغت القاهرة زائرين بأنها تدعم استمرار التواصل مع ايران وحتى مع حزب الله في لبنان اذا كان في ذلك ما يساعد على انتاج مبادرة.

هادي يخشى «حزب الله» آخر

في غضون ذلك، أدى خالد بحاح في الرياض أمس اليمين الدستورية كنائب لرئيس الجمهورية غداة إصدار هادي قرار بتعيينه في هذا المنصب، وسط ترحيب من دول العدوان، إما بيان «أنصار الله» فقال إنه «ليس لديها (الجماعة) أي اعتبار لما يصدر عن هادي وتصرفاته غير شرعية». وبعد تعيينه، حضر بحاح مع وزير الخارجية اليمني بالوكالة، رياض ياسين، لقاء بين هادي ووزير الخارجية السعودي، سعود الفيصل، في مقر إقامة هادي في الرياض، وسط معطيات تشير الى ان هناك رغبة بإعادة بحاح الى منصب رئيس الحكومة في اي تسوية ممكنة.
وواصل هادي بدعم من النظام السعودي حملة التسويق لنفسه، ونشر مقالاً في صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية بعنوان «يجب إيقاف الحوثيين»، محذراً من أنه إن لم يتم ايقاف الحوثيين، «فسيصبحون حزب الله آخر، بحيث تستخدمهم إيران لتهديد الشعب في المنطقة وخارجها». وأضاف أن شحنات النفط عبر البحر الأحمر التي يعتمد عليها الكثير من العالم ستكون في خطر، وسيسمح لـ«القاعدة» ولجماعات راديكالية أخرى بأن تزدهر، واصفاً إيران بـ«النظام المهووس بالهيمنة الاقليمية». لكن هادي عاد للقول إن «مكان الحوثيين هو على طاولة المفاوضات، وليس على الأرض المعركة حيث يرهبون مواطنيهم».
من جهته رأى وزير خارجية آل سعود أن بلاده «ليست في حرب مع إيران». وقال الفيصل بعد استقباله نظيره الفرنسي لوران فابيوس في الرياض، أن حكومته تنتظر من طهران أن «تقوم بما يمكن لعدم دعم النشطات الاجرامية للحوثيين ضد النظام الشرعي في اليمن»، مشيراً بشكل خاص إلى ضرورة «وقف التزويد بالسلاح». اما فابيوس فقد اعرب عن «رغبة فرنسا في التوصل إلى حلّ» في اليمن.في المقابل، حذر مساعد وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبداللهيان، من أن الهجوم على اليمن «بداية خطة قبيحة ينفذها أعداء المنطقة لتقسيم المنطقة العربية السعودية»، مشدداً على «أن الوقت لا يمضي لصالح السعودية ».
من جهته، قال وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، في خطاب ألقاه أثناء زيارة إلى كازاخستان تستمر يومين، «حظيت بشرف المشاركة في مؤتمر بون عندما شكلنا الحكومة الأفغانية. وفي الواقع لم نشكلها نحن بل الأفغان... يمكننا أن نفعل هذا في اليمن أيضاً». بدوره، قال أمين مجلس الأمن القومي الروسي، نيكولاي باتروشيف، «إن العمليات العسكرية في اليمن يمكن أن تؤدي إلى نزاع حاد بين الدول العربية وإيران»، مؤكداً أن دولاً عدة ومتزايدة ستشارك في هذا الصراع من بينها البحرين وقطر والكويت والإمارات والسعودية ومصر والأردن والمغرب وباكستان والسودان.
وأضاف أن المنطقة تؤدي دوراً مهماً في النظام الاقتصادي العالمي كله، وبمحاذاة السواحل اليمنية هناك الطرق الرئيسية لنقل الإمدادات النفطية، لذا فإن السيطرة على اليمن تسمح بالهيمنة على التجارة والطرق العسكرية في المحيط الهندي، مؤكداً أن «الرغبة في تغيير التوازن القائم بين القوى (الإقليمية) في المنطقة يمكن أن تؤدي إلى حرب طويلة». وشدد باترشيف على أن هادي «لم يعد رئيساً لليمن»، بعدما فر من العاصمة صنعاء إلى عدن أولاً، ثم الى خارج البلاد.
(الأخبار)