تستمرّ قضيّة ارتباط «جبهة النصرة» بتنظيم «القاعدة» في التفاعل داخل الكواليس «الجهاديّة»، بعد أن تحوّلت بصورة لافتة إلى قضية عابرة للحدود. مصادر«جهادية» كانت قد أوضحت لـ«الأخبار» أن النقاشات بشأن «فك الارتباط» حاميةٌ بين «قيادات جهادية رفيعة المستوى». وهي نقاشات أخذت شكل ضغوط تُمارس على زعيم «القاعدة» أيمن الظواهري بغية قيامه بخطوة أولى لتشجيع زعيم «النصرة» أبو محمد الجولاني على إعلان «الفك» (الأخبار/ العدد 2560).
الكواليس «الجهادية» حفلت خلال اليومين الماضيين بتطورات لافتة على هذا الصعيد، كان أبرزها دخول «أمير قاعدة الجهاد في المغرب» أبو مصعب عبد الودود (عبد المالك دروكدال) على الخط. الأخير وجّه رسالة صوتيّة قصيرة (أقل من 4 دقائق) لكنّها بالغة الدلالات، حملت عنوان «نصرة ومؤازرة لأسُودِ الإسلام في الشام». وأثنى أبو مصعب على تجربة «جيش الفتح» (غرفة العمليات التي جمعت النصرة وحلفاءها للسيطرة على مدينة إدلب)، فقال «اللهَ اللهَ في هذا الاجتماعِ (...) به تَختصرون معاناة أهلِنا النازحين والمشردين في المخيمات، وتتفرغون لبسط وتحقيق عدل الإسلام بينهم، بدل التنازع على المعابر والمناطق المدمرة ببراميل بشار وصواريخ الحلفِ الصليبي...». دروكدال امتدح زعيم «النصرة» وكلمته المُسجّلة التي نُشرت بعد السيطرة على إدلب (الأخبار/ العدد 2557)، مع الحرص على تسمية الجولاني بلقبه «الجهادي» المُحبّب إليه: «الفاتح». وقال في هذا السياق: «لقد جاءت كلمةُ الشيخِ الفاتحِ الجولانيِّ حفظه الله بُعَيد الفتح تقطر حكمةً، وتفوح بأريج التواضع والإخاء، فاجعلوا منها أرضيّة عملٍ ومُنطَلَقاً للتواصي بالحقِّ والصبر». كذلك نصحَ قادة «جيش الفتح» بـ«تقديم مصالح الشعب على مصالح التنظيمات والجماعات، ووضع مصلحة الإسلام والشريعة فوقَ مصالح جميع الكيانات مهما كان حبنا لها وتعظيمنا لرموزها وتضحياتها»، مؤكداً أنّ «تلك الكيانات مجرد وسيلة لتحقيق الغاية الكبرى، إعلاء كلمة الله».

أبو ماريّا القحطاني و«رمزيّة» دروكدال

تكتسب رسالة دروكدال رمزيةً خاصة، تتجاوز المكانة «القاعديّة» للمتحدث. فهو ليس محسوباً على الرعيل القديم في التنظيم (راجع الكادر المرفق)، لكنه نجح مع ذلك في انتزاع مكانة تنبع من فعاليته في الوصول إلى صيغة توافقيّة ضمنت تحالف كيانات جهاديّة عدّة في أفريقيا (جماعة أنصار الدين، وجماعة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا، وجماعة أنصار الشريعة، وحركة أبناء الصحراء للعدالة الإسلامية، وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي). كذلك ظهر دروكدال في مظهر المُنظّر «الجهادي» عبر «مذكرة أزواد» التي قدّمت «التصور العام للمشروع الإسلامي الجهادي في إقليم أزواد (شمال مالي)». وهي مذكرة وضعت أسساً وقواعد لكيفية تعامل «الحلفاء الجهاديين» في ما بينهم، وبطريقة تُغلّب مصلحة «التحالف» على مصلحة تنظيمه. ونظّرت أيضاً لطريقة تعامل «الجهاديين» مع حلفائهم من غير الجهاديين (حركة تحرير أزواد)، كما مع أبناء إقليم أزواد. استناداً إلى هذه المعطيات، يصبح مفهوماً حرص شخصية من طراز أبو ماريّا القحطاني على الإشادة برسالة دروكدال وشخصه إشادة مقرونة بـ«مذكرة أزواد». القحطاني «غرّد» عبر حسابه على «تويتر» قائلاً: «الشيخ أبو مصعب عبد الودود صاحب مذكرة أزواد، عقل راجح تجاوز مرحلة التنظيمات والجماعات وكان له دور كبير بمحاربة الغلو والغلاة».

... والمحيسني لسان «الفتح»

بدوره، حرص الشيخ السعودي عبدالله المحيسني على مواصلة الظهور في مظهر زعيم «جيش الفتح» ولسان حال «الجيش الإسلامي». وأخذ المحيسني على عاتقه الردّ على رسالة أبو مصعب، برسالة أكّد فيها أن «الخلافات التي تسمعون عنها في أرض الشام ما هي إلا تربية ربانيّة لهذا الجيش الإسلامي العظيم...». وبات معروفاً أنّ المحيسني كان عرّاب تشكيل «الفتح» الذي هو في واقع الأمر «غرفة عمليات مشتركة»، وبعد السيطرة على إدلب كشف عن أنه «أحد شرعيي الفتح». ويقود المحيسني جهوداً متواصلة للحفاظ على غرفة العمليات وتحويلها إلى تحالف مستمر و«نموذج يُحتذى في الشام».
«مذكرة أزواد شاميّة»؟
ثمّة تزامن لافت بين رسالة دروكدال واستمرار تأكيد «رموز جهادية» عدّة على أن «بشارة كبيرة تلوح في الأفق الشامي»، إضافة إلى تذكير القحطاني وصفحات «جهادية» أخرى محسوبة على «النصرة» وحلفائها بـ«مذكرة أزواد». وهو تزامن «له عقابيل خير» وفق ما قاله مصدر «جهادي» لـ«الأخبار». المصدر الذي يحظى بمكانة خاصّة داخل «التيار الجهادي الشامي» أوضح أنه «بات من المؤكد بإذن الله أنّ تحالف الإخوة في عدد من الجماعات بات وشيكاً، والبحث جارٍ في صيغة تؤلّف القلوب ولا تنفصم عُراها». المصدر امتنع عن الخوض في تفاصيل أكثر من باب «الاستعانة على قضاء الحوائج بالكتمان»، مؤكداً في الوقت نفسه أنّ «المعلومات التي في حوزتنا تقول إنّ مراسلات قادة الجهاد وأمرائه لا تتوقف، داخل الشام (سوريا) وخارجها، وعلى مستويات رفيعة. وإن البشرى قريبة».

«الطرطوسي» يُحرّم الانضمام إلى «النصرة»

وفي الشأن «النصراوي» نفسه، أثارت فتوى صادرة عن أبو بصير الطرطوسي (عبد المنعم حليمة) جدلاً في أوساط الجهاديين. الطرطوسي أفتى بـ«عدم جواز الانضمام إلى جبهة النصرة ما دامت مصرّة على ارتباطها بجماعة القاعدة»، معلّلاً ذلك بأن «مسمّى القاعدة، والانتماء إليه يجلب الضرر لأهل الشام، ولمجاهديهم، ولثورتهم، وإسلامهم...». كذلك حرص في الوقت نفسه على القول إن «التعاون معهم (يقصد النصرة) ــ ومع غيرهم ــ على البر والتقوى، ودفع العدو الصائل، واجب». وعلى الرغم من أن ظاهر «الفتوى» يوحي بأنّها موجهة ضد «النصرة»، غير أنها تندرج في إطار «الضغوط الشرعية» التي تُمارس لدفع الجولاني إلى «فك الارتباط بالقاعدة»، ويتجلّى ذلك في ربط تحريم الانضمام إليها بارتباطها بالتنظيم. ويُعتبر الطرطوسي أحد أبرز «المشايخ الثوريين» ومن أوائل من نظّم «العمل الجهادي السري» في سوريا، كذلك ظهر في صورة «مفتي الثورة» (الأخبار، العدد 2237).




أبو مصعب عبد الودود... «صانع القنابل»

اسمه عبد المالك دروكدال، من مواليد 1970 في قرية زَيان، ولاية البليد الجزائرية. درس في جامعة البليدة فرع التكنولوجيا، ليُفيد من ذلك لاحقاً في عمله «الجهادي» حيث اشتهر بلقب «صانع القنابل». انضم إلى «الجماعة الإسلامية المسلحة» التي كانت بمثابة التمهيد لظهور «الجماعة السلفية للدعوة والقتال». كان واحداً من الموقعين على بيان في عام 2003 لإعلان تحالف «الجماعة» مع تنظيم «القاعدة». في منتصف عام 2004 أصبح زعيم «الجماعة» خلفاً لعبد الودود نبيل صحراوي الذي قتل في عملية للجيش الجزائري. وفي أيلول 2006 أعلن دروكدال انضمام «الجماعة السلفية للدعوة والقتال» إلى تنظيم «القاعدة». وفي كانون الثاني غيّر اسم الجماعة إلى «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي». في آب 2007 أدرج عبد المالك دروكدال في القائمة الموحدة التي وضعتها لجنة مجلس الامن بشأن تنظيم القاعدة وحركة طالبان، عملاً بالفقرتين 1 و12 من القرار 1735 (2006).