لم يلزم وقتٌ كثير لتؤكد المجريات أن «التشكيلات الثورية» التي أعلنت أخيراً في حلب لم تكن في حقيقة الأمر سوى تصدعات في «الجبهة الشاميّة». ويبدو أن نتائج الخلافات الكثيرة التي تعصف بمكونات الأخيرة لن تتوقف عند حدود «الانشقاقات»، خاصةً أن قيادات «الشاميّة» دأبت على التعامل باستخفاف مع عدد غير قليل من المجموعات الصغيرة المنضوية تحت لوائها.
وبدا أمس أن سباقاً حقيقياً تشهده عاصمة الشمال السوري ما بين نُذر مواجهات وشيكة في ريفها (الغربي على وجه الخصوص) تضع «الشامية» في مواجهة المجموعات التي انفصلت عنها أخيراً، والجهود الحثيثة لنزع فتيل تفجر الوضع واحتواء الأزمات. أحدث المؤشرات على تفاقم الخلافات جاءت مع الكشف عن اختطاف خمسة من «قيادات كتائب ثوار الشام العاملة في مدينة حلب وريفها». وهي المجموعة التي أعلن عن تشكيلها قبل أيام في ريف حلب، وسط تستر على حقيقة أن تشكيلها لم يكن سوى انشقاق عن أكبر مجموعة مسلحة في الشمال http://www.al-akhbar.com/node/230013). ورغم أن مصادر معارضة أكدت في ساعة متأخرة ليل أمس الإفراج عن المختطفين، غيرَ أن أوساط «ثوار الشام» أكدت أنها «في انتظار محاسبة الفاعلين، وتقديم ضمانات بعدم تكرار الاعتداءات والتجاوزات». وتعكس سرعة إطلاق سراح المختطفين حجم الخشية الذي استشعرتها بعض التكتلات المسلحة، وبعض الشخصيات «الجهادية» الوازنة، من انعكاسات الاحتقان الذي سيطر على المشهد في ريف حلب.
وكانت حادثة الاختطاف قد وقعت على مرحلتين، الأولى مساء يوم الأربعاء في قرية بابيص (منطقة جبل سمعان)، وطاولت كلّاً من «المقدم أبو عبد الرحمن، والنقيب عبد الواحد الجمعة، ورائد العبدو، خلال عودتهم من مدينة حلب»، وفقاً لمصادر إعلاميّة معارضة. ورغم أن المصادر التي نقلت خبر الاختطاف حاولت التكتم على تفاصيله أول الأمر، واكتفت بنسب الفعل إلى «مجهولين»، بادرت «القيادة العامة لكتائب ثوار الشام» إلى إصدار بيان يتهم صراحةً «حركة نور الدين زنكي» و«الكتيبة الأمنية في لواء الأنصار» (من أقوى مكونات «الشامية») بالوقوف وراء الاختطاف، ويحملهما «المسؤولية عن سلامة القادة». البيان كشف عن وجود خلافاتٍ بين «ثوّار الشام» و«الشاميّة»، وقال في هذا الشأن إنه «تم الاتفاق مع قادة (قائِدي) الجبهة الشامية عبد العزيز سلامة وصقر أبو قتيبة على تحكيم الشرع في القضايا العالقة بعد خروج كتائب ثوار الشام من الجبهة». وأوضح البيان أن «القادة العسكريين الثلاثة المخطوفين كانوا في عملية استطلاع لإحدى النقاط العسكرية، التي كانت ستغير المجريات على الأرض». وأضاف «قمنا بإرسال وفود لحل الخلاف العالق وإطلاق القادة العسكريين دون تلقي رد من الطرف الآخر». وكشف البيان عن حادثة الاختطاف الثانية بعد إرسال الوفود، حيث «تمادى الطرف الآخر باختطاف الأخ أبو بلال قائد كتيبة القدس، والأخ أبو تميم قائد كتيبة السلاح الثقيل، ليرتفع عدد المخطوفين إلى خمسة قادة عسكريين». ورغم رجحان ميزان القوى لمصلحة «الشامية»، فقد اشتمل بيان «ثوّار الشام» على وعيد واضح، حيثُ طلب «من الأطراف المعنية إطلاق سراح القادة فوراً»، مهدداً بـ«اتخاذ كافة التدابير» في حال التأخر في إطلاقهم، ومحمّلاً «الجهة الخاطفة مسؤولية أي خلل يحصل على الجبهات». وبدا لافتاً أن البيان المذكور استُهلّ بآية قُرآنية تُستخدم عادة في بيانات المجموعات المسلحة لإعلان الحرب «أُذن للذين يُقاتَلون بأنهم ظُلموا وإنّ الله على نصرهم لقدير».

نيّات للاستعانة بـ«داعش»؟

وسط تفاقم التوتر في ريف حلب الغربي، حفلت كواليس المجموعات المسلحة في حلب في العموم بحنق زائد تجاه «الجبهة الشامية» وقائدها عبد العزيز سلامة. مصدر محلّي أكّد لـ«الأخبار» أن «سلامة يتحمل شخصيّاً مسؤولية أي كارثة تحصل على الجبهات». المصدر المنتمي إلى إحدى المجموعات التي انشقت أخيراً عن «الشامية» قال إنّ سلامة «يتعامل مع الجميع باستعلاء كبير، وباستثناء قائدين أو ثلاثة ممن يتزعمون مجموعات كبيرة». وقال المصدر: «اعتاد الحجي (لقب سلامة) منذ فترة القول أمام الجميع إنّو مو سائل على حدا، وبيقدر يفتح الباب ويفوت عند أردوغان (رجب طيب، الرئيس التركي) ايمتى ما بدّو». المصدر تحدث عن «جهود وساطة يقوم بها وجهاء محليون انطلقت أمس، في محاولة لاحتواء الوضع قبل حدوث ما لا تُحمد عقباه». وأكّد وجود نيّات فعليّة لدى بعض المجموعات الصغيرة المنخرطة في خلافات مع «الشاميّة» للاستعانة بتنظيم «الدولة الإسلامية» ضد «استكبار سلامة، من مبدأ العلّة النجسة بدها دوا أنجس».