الجزائر | ارتفعت حدة المواجهة بين السلطة والمعارضة في الجزائر ووصلت حدة التصريحات بين الفريقين إلى التهديد والوعيد وفرض الأمر الواقع، بسبب اختلاف المواقف بخصوص طريقة تمرير الدستور المعدل.وفيما تريد السلطة ومن يدور في فلكها تمرير الدستور الجديد برلمانياً، تطالب المعارضة بإجراء استفتاء شعبي على الدستور. المعارضة كانت قد اتهمت النظام بـ «الخديعة» في التعامل مع وثيقة الدستور الجديد، من خلال إعداد «طبخة سياسية جرى الإعداد لها بدقة في الظلام الدامس بين جدران الغرف السرية»، لقطع الطريق أمام أي اعتراض وتسهيل تمريره.

مصدر مطلع على الدستور الجديد كشف لـ «الأخبار»، أن اهم التعديلات التي شملتها وثيقة الدستور تتمثل في تحديد فترة حكم رئيس الجمهورية بعهدتين فقط، 5 سنوات للواحدة، وأيضاً العودة إلى تسمية رئيس الحكومة بدل الوزير الأول، مع اسقاط شرط منحه لحزب الأغلبية، كما أدرجت مادة تنص على المساواة بين الجنسين، وأخرى ترسم اللغة الأمازيغية لغة رسمية إلى جانب العربية يستوجب تدريسها والتعامل بها في مختلف الادارات والهيئات الرسمية.
وأشار المصدر إلى أنه أُلغيت فكرة منصب نائب رئيس الجمهورية، التي احدثت لغطاً كبيراً في الأوساط السياسية على اعتبار أنها تمهد لتوريث الحكم، مبرزاً أنه جرىم الحفاظ على كل الصلاحيات بيد رئيس الجمهورية.
معظم التنظيمات السياسية في الجزائر شُغلت بوثيقة الدستور الجديدة المتوقع أن تظهر مسودته الأخيرة في الأيام المقبلة، بعد تسريبات من السلطة حول اقتراب موعد عرضه على غرفتي البرلمان.
أحزاب الموالاة بدأت استعدادها لإبرام تحالف فيما بينها لتمرير الدستور برلمانياً فور إحالة مشروع التعديل على غرفتي البرلمان.
القيادي في حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم، السعيد بوحجة، أكد أن قرار تحديد تاريخ عرض مشروع الدستور الجديد من صلاحيات رئيس الجمهورية. وأوضح بوحجة في حديث لـ «الأخبار» أن «طريقة تمرير المشروع تتحدد حسب مضمونه وبما تحويه الوثيقة من تعديلات».
المعارضة بكل تنظيماتها التي شغلت الفترة الماضية في حشد جماهيرها في الشارع على اثر المواجهات في الجنوب، أجلت كل مواعيدها الهامة وتعيش حالة ترقب رافعةً لواء حشد قواها في مواجهة خطط السلطة لتمرير الدستور بأقل الأضرار السياسية.
القيادي في حزب جيل جديد المعارض، سفيان صخري، شدد على أن المعارضة لا تستطيع أن تتخذ أي خطوة دون أن تعرف ما سيحمله هذا الدستور، مشيراً في حديث لـ «الأخبار» إلى أن الدستور الجديد سيوضح نيّات السلطة، وخاصة في الشق المتعلق بالحريات والديموقراطية.
رئيس الحكومة عبد المالك سلال، حاول طمأنة المعارضة حيال ما يتضمن الدستور الجديد بتأكيده أن نصوصه القانونية حددت كيفيات وشروط ممارسة حق التظاهر والتجمهر وفقاً للمعايير الدولية.
وأشار بن سلال في تصريح في جلسة علنية عقدها المجلس الشعبي الوطني، إلى أن سبب رفض منح الترخيص لعدد من الأحزاب يرجع إلى عدم استيفائها للشروط المنصوص عليها في الأحكام القانونية، مبرزاً أن الجزائر تعمل من خلال مؤسساتها على تكريس دولة الحق والقانون وحماية الحقوق الفردية والجماعية، بما في ذلك حرية التعبير وإنشاء الجمعيات والاجتماع والتظاهر التي تعد حقوقاً يضمنها الدستور وقوانين الجمهورية. وزير الصناعة السابق، ورئيس جبهة التغيير، عبد المجيد مناصرة، طالب السلطة بتوضيح موقفها بشأن تعديل الدستور، وقال إن وعي الشعب أصبح مرتفعاً في المجال و«لا يقبل الغش ولا التلاعب»، داعياً إلى ضرورة التوصل لدستور توافقي يؤسس لمرحلة جديدة.
وفي ذات السياق، أكد رئيس حركة مجتمع السلم الاسلامية المعارضة، عبد الرزاق مقري، أن تعديل الدستور من خلال البرلمان يبيّن بأن النظام السياسي عجز عن تحقيق التوافق، مضيفاً أن «لا غرابة في ذلك لأن أساليب النظام الفوقية القديمة أصبحت لا تنفع مع طبقة سياسية تحملت مسؤوليتها بالنظر للمخاطر التي أصبحت تهدد البلد».

النظام يرغب بتمرير الدستور الجديد برلمانياً ... والمعارضة لعرضه على الاستفتاء الشعبي

وشدد مقري في حديث لـ «الأخبار» على أن «النظام استفاد كثيراً من تساهل الأحزاب معه بسبب الأزمات السابقة، ويريد مرة أخرى من خلال إشغال الناس بالدستور، إخفاء فشله المستمر في تحقيق التنمية وتوفير الحريات التي تسمح للجزائريين بالمشاركة في خدمة بلدهم من خلال العمل السياسي المحفوظ من التزوير الانتخابي وبواسطة المجتمع المدني المفيد لا المستفيد، وعن طريق الأعمال ومختلف الأنشطة الاقتصادية الخالية من الرشوة والفساد والمحسوبية».
وهو التوجه نفسه الذي سار عليه رئيس جبهة العدالة والتنمية، عبد الله جاب الله، الذي دعا إلى تعديل جذري للدستور، واشترط أن يتم تمريره عبر الاستفتاء الشعبي.
واعتبر جاب الله أن التعديل الجزئي «سيبقي الأمور على حالها ومعه سيستمر الفساد»، وأشار إلى أن التسريبات الصحافية التي اطلع عليها لا تنبئ بأن التعديل القادم للدستور سيكون كاملاً، مضيفاً أن تمريره على غرفتي البرلمان دليل بأن «التعديل سيكون سطحياً ولن يمس ما يتعلق بتوزيع السلطات وإعطاء الضمانات المتعلقة باحترام الحريات وتدارك كل النقائص والفراغات المسجلة في الدستور الحالي».
مسؤول الشؤون السياسية في حركة الإخوان الجزائرية، فاروق سراج، انتقد طريقة تعامل السلطة مع أهم وثيقة في البلاد. وأشار سراج في حديث لـ «الأخبار» إلى أن «السلطة تتعامل مع أهم وثيقة في البلاد على طريقة بالونات الاختبار والتسريبات المتسترة في محاولة منها لتقصي رد فعل المعارضة، ما يثير الكثير من الشكوك، ويطعن في شرعيتها مسبقاً، وهي لا تبشر بالخير أبداً».
وأضاف أنه «لو كان مشروع تعديل الدستور جيد ويضمن الحقوق لما رافقه هذا التكتم الكبير، ولما بقي حبيس أدراج الرئاسة ودوائرها"، موضحاً أن حركته «تتوقع ألا يكون الدستور الجديد بالطريقة التي ينتظرها الشعب والمعارضة وجميع ممثلي المجتمع».
وبالنظر إلى ما يجري في الجزائر منذ فوز الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بولايته الرئاسية الرابعة فإن النظام يعيش صراعات بين أجنحته كشف عنها محمد نبو، السكرتير الأول لحزب جبهة القوى الاشتراكية، أقدم حزب معارض في البلاد، الذي أوضح صراحة أن تحقيق الإجماع في الجزائر صعب، بعدما انتقلت معركة النظام مع المعارضة إلى صراع أجنحة في السلطة. وأبرز نبو في بيان اطلعت «الأخبار» على نسخة منه، أنه « اذا كان هناك انسداد في أعلى الهرم السياسي عند الحكام، لكن في الأسفل المجتمع يسجل حركية ملحوظة».