الخرطوم | يختتم الرئيس السوداني، عمر البشير، مرشح المؤتمر الوطني في الانتخابات الرئاسية اليوم الخميس حملته الانتخابية الطويلة التي شملت كل ولايات السودان الثماني عشرة، وستكون ولاية الخرطوم نهاية ذلك التطواف لحشد الدعم الشعبي لحملته الانتخابية، قبل يومين من دخول الصمت الانتخابي الذي سيستمر يومي 11 و12 نيسان الحالي.
ويروج البشير لبرنامجه الانتخابي الذي يرتكز على «مواصلة الإصلاح والنهضة» بحسب شعار حملته المعلن، فضلاً عن تمسكه بتطبيق الشريعة الإسلامية في الحكم، وهو الأمر الذي يرى مراقبون أنه يلعب عليه لكسب قطاع واسع من المواطنين الذين يؤيد أغلبهم ويطالب بتطبيق الحكم الإسلامي.
وإن كان قد تيسّرت للبشير تلك الفرصة بمخاطبة المواطنين كل في ولايته في جميع أنحاء السودان، إلا أن تلك الفرصة بدت عصية على بقية منافسيه الخمسة عشر الذين يتنافسون معه على ذات المقعد. ولطالما أكد الحزب الحاكم أن أموال التسيير للحملة الانتخابية للرئيس عبارة عن تبرعات عضوية الحزب التي يحصيها القائمون على أمر الحزب بأنها تعدت ستة ملايين عضو. إلا أن المراقبين يشككون في ذلك نسبة إلى الصرف البذخي على تلك الحملات التي سخر لها ولاة الولايات كل إمكانات حكوماتهم الولائية لحشد أكبر عدد من المواطنين ليظهروا أمام الرئيس أثناء مخاطبته للحشد الجماهيري.
وكان لافتاً أن أبقى البشير على جميع ولاة الولايات في مناصبهم، ولم يصدر قراراً بإقالتهم، على الرغم من إصدار البرلمان السوداني لتعديلات دستورية في مطلع هذا العام تجعل للرئيس وحده الحق في تعيين الولاة، وألغي بموجب ذلك المادة التي كانت تنص على أن يكون ترشيح الولاة عبر صناديق الاقتراع. ويرى محللون أن خطوة إبقاء الولاة في مناصبهم لحين اكتمال الاستحقاق الانتخابي خطوة ذكية أسهمت بصورة أساسية في أن يتبارى الولاة في حشد دعم مواطني ولايتهم لمرشح حزب المؤتمر الوطني لرئاسة الجمهورية ليظهروا مزيداً من الولاء والدعم غير المحدود أمام الرئيس المقبل.
في الأثناء بدت شوارع العاصمة الخرطوم بعيدة عن الاهتمام بالحدث السياسي في البلاد، وهو الانتخابات العامة التي تنطلق الاثنين المقبل، عدا بعض الملصقات الانتخابية للحزب الحاكم التي توزعت في أماكن متناثرة من العاصمة، فيما خلت الشوارع والأسواق من أي مظهر من مظاهر الدعاية الانتخابية لبقية المرشحين في السباق الرئاسي.
وخصصت أجهزة الإعلام الرسمية اثنتي عشرة دقيقة في بداية انطلاق الحملات الانتخابية لكل مرشح تبدأ عند الحادية عشرة مساءً بغرض الترويج لحملته الانتخابية، مع ظهور قصير لكل مرشح في نشرة الأخبار الرئيسية، في الوقت الذي تُنقل فيه حملات البشير الانتخابية في أي ولاية من الولايات على الهواء مباشرة على قنوات خاصة تُدفع مبالغ ضخمة لها لتوفير ذلك البث، الشيء الذي يقف معه بقية المرشحين عاجزين، ولا سيما أن نصف مرشحي الرئاسة يحملون صفة مستقل.
الانتخابات العامة التي تشمل البرلمان والرئاسة، سبقها جدل كثيف بين المعارضة التي ظلت تطالب بتأجيلها إلى حين اتضاح مخرجات الحوار الوطني، والحكومة التي تمسكت بإجرائها تحت كل الظروف، معتبرة الحديث عن تأجيلها أو إلغائها «خطاً أحمر». لتأتي العملية الانتخابية وسط دعوات للمقاطعة من قبل المعارضة، خاصة أن قطاعاً واسعاً من المواطنين يرى أن حزب المؤتمر الوطني الحاكم ينافس نفسه في هذه الانتخابات، وأن المشاركة المحدودة لعدد من الأحزاب التي تشارك أصلاً في الحكومة لا تشكل منافسة حقيقية.
وبعدم مبالاة واضحة يتعامل عدد من المواطنين مع الانتخابات الرئاسية والبرلمانية مع حلول موعد الاقتراع بعد أيام قليلة، حيث يجهل معظمهم الموعد المحدد لبدء الاقتراع.
حسن وهو رجل سبعيني في المعاش، يقول لـ«الأخبار»: «لا أعتقد أن هناك شخصاً عاقلاً يمكن أن يعطي صوته للرئيس البشير ليستمر في الحكم»، ويضيف: «منذ سنوات يتعرض البلد لحصار اقتصادي وعقوبات متواصلة واتهامات بالإرهاب، فكيف بعد كل هذا يصوت البعض لاستمرار هذا الوضع»، ويتابع: «هذا أمر غريب».
ويؤكد أنه لن يشارك بالتصويت في هذه الانتخابات، لأن نتائجها معروفة سلفاً، واستنكر دخول البلاد في عطلة طويلة عن العمل تمتد لخمسة أيام بسبب الانتخابات، وعد ذلك نوعاً من الاستهتار بقيمة العمل والوقت.
ويذهب فيصل محمد ويعمل معلماً، إلى أنه لا يمكن أن يشارك في هذه الانتخابات لأن مصيرها معروف، فـ«المؤتمر الوطني» يسيطر على كل شيء.
ويفضّل قطاع آخر من المواطنين أن يستمر الرئيس البشير في الحكم لضمان استقرار البلد، بالرغم من سوء الأوضاع المعيشية، ويشير علي الحاج، إلى أنه لن يشارك بالتصويت في الانتخابات ولن يجهد نفسه في أمر محسوم أصلاً، غير أنه يرى في استمرار الوضع الحالي ضماناً لعدم الوقوع في فوضى دول «الربيع العربي»، ويقول: «غالبية الشعب السوداني لا تقتنع بهذه الحكومة وتريد رحيلها اليوم قبل الغد، لكنها تخشى من مصير دول الربيع العربي التي شهدت تغييرات كبيرة وانزلقت إلى الفوضى وتدهور الأمن».
ويسود اعتقاد واسع بأن حزب المؤتمر الوطني الحاكم لا يأبه كثيراً لمقاطعة الكثيرين للانتخابات، ولا للمعارضة التي قادت حملة واسعة لتحريض المواطنين على المقاطعة، بل يمضي لإجراء الانتخابات بخطى حثيثة، ويحشد لها ما وسع له من منظمات محلية وإقليمية ودولية للمشاركة في مراقبتها، لتأكيد نزاهتها وشفافيتها، بالرغم من الاتهامات الاستباقية من قوى المعارضة الداخلية والخارجية بتأكيد عدم نزاهتها وسيطرة التزوير على نتائجها، استناداً إلى ما حدث في انتخابات 2010 التي نظمها «المؤتمر الوطني» وفاز بكل مقاعدها وبنسب عالية، ما جعل الكثيرون يلصقون بها صفة التزوير.