دمشق | في آخر دراسة لها عن أداء التجارة الخارجية، قالت «هيئة تنمية وترويج الصادرات» بـ«الفم الميلان»: «ربحية الاقتصاد السوري، بين عامي 2010 ـ 2014، كانت سلبية جرّاء انخفاض القيمة المضافة للصادرات، أمام القيمة المضافة المستوردة». لكن، مع ملاحظة انخفاض قيمة الصادرات النفطية، مقابل ارتفاع الصادرات الزراعية والصناعية، ما يعني تغيراً في هيكلة الصادرات السورية، خلال فترة الأزمة.
تغير هيكيلة الصادرات السورية يبرز بتراجع الطاقة الإنتاجية، وتغير الوجهة الجغرافية، كما يقول إيهاب اسمندر، المدير العام لـ«هيئة تنمية وترويج الصادرات» لـ«الأخبار»، ويضيف شارحاً: «أدّى تراجع الإنتاج إلى تضاؤل الكميات المتاحة للتصدير، ما تسبب بانخفاض الصادرات، بنسبة 90%، وخاصة بعد التراجع الكبير للصادرات النفطية التي كانت تشكل 35% من إجمالي الصادرات». هذا الواقع المتراجع للصادرات جرى استثماره، لتطوير العمل التصديري، «عبر التكيف مع تراجع النفط، كمورد اقتصادي هام، والاعتماد على موارد أخرى، إضافة إلى التطور النسبي في طبيعة الصادرات، واعتمادها على الصناعات التحويلية كالنسيجية والهندسية والكيميائية والغذائية» بحسب اسمندر. الأخير يوافقه الرأي، خازن اتحاد المصدرين، إياد محمد، إذ يقول: «قبل الأزمة، كان هناك سوق تصديرية كبيرة لكن الأزمة ألقت الضوء على نوعية الصادرات»، غير أنّ اسمندر يعود للتأكيد أنه «رغم أهمية ذلك، النتائج المطلوبة لن تتحقق بدون إعادة القاعدة الإنتاجية إلى وضعها الطبيعي، تمهيداً لتحقيق الأرقام والمعدلات التصديرية المرغوبة». ويبدي نائب رئيس رابطة المصدرين للنسيج والألبسة، فراس تقي الدين، تفاؤله بتحسين واقع القدرة الإنتاجية، «كون مشاكل الصناعيين تحل تدريجاً، بعد التسهيلات الحكومية الأخيرة، بشكل سيكون رافداً للتصدير»، فالقطاع النسيجي، الذي كان الأكثر تضرراً، بدأ يستعيد عافيته، وخاصة بعد معالجة مشكلة تأمين الغزول القطنية، بالتشارك بين القطاعين، العام والخاص، بشكل وفرها بأسعار جيدة. غير أن الإنجاز الأهم، بحسب تقي الدين، هو «تعهد وزارة الكهرباء بتأمين الكهرباء للقطاع الصناعي، بعد الاتفاق على تحديد ساعات التقنين مساءً، في مزرعة فضلون والحريقة والبرادة وصحنايا وغيرها، فالكهرباء روح الصناعة، وطالما تمّ تأمينها، فإنّ العقبة الكبرى تكون قد أزيلت أمام غالبية الصناعيين، الذين أبدوا استعدادهم لتشغيل معاملهم، لتسريع العملية الإنتاجية». وكانت معارض خارجية عديدة قد نظّمت، كمعرض «سيريا مودا» في لبنان والعراق، وغيرها، بالتزامن مع إعادة قطاع النسيج إلى سابق عهده، للمساهمة بتنشيط الحركة التصديرية، كما يقول تقي الدين، الذي يرى أنّ هذه المعارض «تشكل رافعة تسويقية، قد تفوق الرافعة الإنتاجية، لإعادة التشبيك مع المستوردين، للترويج للمنتجات النسيجية».

استيعاب الصدمة

منذ بداية الأزمة، قبل أربع سنوات، تمّ استهداف البنى التحتية للاقتصاد السوري بشكل ممنهج، لكن جرى استيعاب الصدمة، عبر ترميم مراكز الإنتاج، ونقل الورش الصناعية إلى المناطق الآمنة، لاستمرار الإنتاج والتصدير، حسب ما يشير خازن اتحاد المصدرين، إياد محمد، الذي يصرّ على أنه «بالرغم من انحسار التصدير في سلع محددة، إلا أن حركة التصدير لم تتوقف لمعظم السلع، وخاصة الزراعية منها، نظراً إلى جودة المحاصيل في المناطق الآمنة، كالساحل والسويداء»، فالقطاعات الأكثر تعافياً اليوم، برأيه، هي قطاعا النسيج والزراعة، مع وجود خطة لترميم القطاعات الأخرى تباعاً، كقطاع الجلود، والكيميائيات، والورود، وغيرها.

ثقافة سوق الهال

أثبتت الأزمة أنّ الزراعة هي قاطرة الاقتصاد، وقد كان من الخطأ إعطاء الأولوية لقطاعات أخرى، غير أن الخطأ استدرك على مضض، لعدم وجود موارد بديلة، وهو ما يؤكده، لـ«الأخبار» رئيس اتحاد غرفة الزراعة، محمد كشتو، الذي يشرح الأمر: «الأزمة لم تغير هيكلية الصادرات الزارعية، التي كانت موجودة بنسبة 55%، لكنها لم تكن ظاهرة، كونه قطاعاً مظلوماً. اليوم يتكرر الأمر، عبر إدراج الصادرات الزراعية تحت مسمّيات أخرى». ومع أنّ الصادرات الزراعية تعترضها صعوبات كثيرة، غير أن كشتو يرى أنّها تواجه «صعوبات أمنية فقط»، وينصف الحكومة السورية، بتأكيده على تقديمها التسهيلات المطلوبة لتسويق المنتجات الزراعية خارجياً، موضحاً أنّ «المشكلة تكمن بتعوّد القطاع الخاص على ثقافة سوق الهال، من دون وجود ثقافة تصديرية تضمن إيجاد منتج قابل للتصدير».

صعوبات بالجملة

تأخرت نتائج استراتيجية التوجه شرقاً بالظهور، وسط التشكيك بجدواها، في ظل وجود الكثير من العقبات، ليس آخرها النقل. وفي حين يرى مدير هيئة تنمية وترويج الصادرات، إيهاب اسمندر، أنّ التوجه شرقاً لم يحقق، حتى الآن، الغاية المرجوة منه، إلا أنّه يعزو ذلك إلى «تراجع الطاقة التصديرية، بشكل يمنع تحقيق الغاية المطلوبة، باستهداف أسواق ضخمة كالأسواق الآسيوية» نافياً وجود عقبات أخرى، منوهاً بأنّ معظم تلك الدول قدّمت التسهيلات الممكنة للمنتجات السورية. ويرفض فكرة تفضيل السوق الآسيوية عن السوق الأوربية، حتى مع مواقف دولها الأخيرة، بغية تقليل التمركز الجغرافي. فلا يفترض استبدال مشكلة أوروبا بمشكلة مع آسيا، التي قد تواجه بلدانها مشكلات مالية، وطبيعية، قد تؤثر على فعاليات تلك الأسواق، ما يفترض التوازن في التوجه الجغرافي للصادرات، كما لا يقبل أيضاً القول إن التجربة الروسية كانت غير موفقة، فهي «تجربة أولى، ومن الطبيعي حصول أخطاء، إن جرى الالتفات إليها ستكون النتائج أفضل مستقبلاً».

القطاعات الأكثر تعافياً اليوم هي قطاعا النسيج والزراعة

بينما يبيّن إياد محمد، خازن اتحاد المصدرين، أن العقبة الأكبر أمام توجه الصادرات السورية إلى الشرق، تكمن بالنقل، «فمثلاً أجور النقل بين مصر وروسيا تنخفض بمقدار 500 دولار، مقارنة مع سوريا، ما يقلل المنافسة مع الدول الأخرى، ولتدارك ذلك أنشئ الخط البحري مع إيران، والكونتينر البحري مع روسيا، لكن الاتحاد يعمل حالياً على إنشاء خطوط طيران، لنقل المواد، من خضر وفواكه سريعة العطب وغيرها». وهنا يشدد محمد على ضرورة الخروج من «أبوية الدولة» لفتح أسواق تصديرية جديدة، «فالقطاع الخاص هو الأقدر على ذلك، بينما يفترض تدخل الدولة عند العقبات الجماعية، كتأمين إعفاءات جمركية». ويمضي فراس تقي الدين، نائب رئيس رابطة المصدرين للنسيج والألبسة، في ذات الاتجاه، مؤكداً أن «الحصار الاقتصادي فرض على مصدري النسيج التوجه إلى الشرق الأوسط، التي تعد السوق العراقية أهمها، بينما ينتظر المصدرون تفعيل اتفاقية التجارة الحرة مع إيران، لإقامة المعارض، والترويج للمنتجات السورية، وغيرها من أسواق، كمصر والجزائر والخليج، وأغلب الدول المجاورة».

سلع تصديرية منافسة

المنتجات الزراعية تمتلك ميزات نسبية، لكن المعنيين لم يستثمروها، حتى الآن، بالشكل الأمثل، وتطوير الصادرات الزراعية يحتاج إلى عمل استراتيجي، عبر رفع جودتها، بما يتناسب مع ذوق المستهلك في البلد المستهدف، بحسب ما يرى كشتو، ويضيف عن الحاجة أيضاً إلى «تقوية بنيتها التحتية، من عمليات الفرز والتغليف، لتحقيق قيمة مضافة، ما يفرض تدريب وتأهيل المصدرين، وتغيير الثقافة التصديرية، والابتعاد عن فكرة تصدير فائض الإنتاج، والتوجه نحو إنتاج منتج منافس معد للتصدير».
في حين يرفض، اسمندر، الاهتمام بسلعة دون غيرها، ويرى وجوب «الاهتمام بكل الصادرات السورية، والارتقاء بجودتها لزيادة قدرتها التنافسية في الأسواق المستهدفة، والترويج الدائم لها، عبر إقامة المعارض، وتنظيم لقاءات رجال الأعمال والمنتجين السوريين، مع نظرائهم المحتملين، مع إطلاعهم على أهم دراسات الهيئة عن الأسواق العالمية»، علماً بأن الهيئة تعمل، حالياً، على إقامة دراسات عن مختلف المنتجات التصديرية، وتحديد المنتجات التي تمتلك ميزة نسبية، مع وجود برنامج لتمويل الميزات النسبية لبعض المنتجات، وتحويلها إلى ميزات تنافسية، كالمنتجات الزراعية والألبسة، مع أنه يتم التركيز على حوالى 30 سلعة مشملة، كما يوجد برامج لتقديم الدعم اللازم لتطوير القدرة التصديرية للمصدرين، والإنتاجية للمنتجين، بشكل يضمن تطوير الصادرات السورية.

التصدير أو الموت

يطرح خازن اتحاد المصدرين الشعار الياباني «التصدير أو الموت» لضمان صمود الاقتصاد السوري، مطالباً الحكومة «بدعم المصدّر، وتسهيل عمله، ليكون قادراً على منافسة نظرائه، في الدول المجاورة، وخاصة بعد تحرير الكهرباء والوقود، بشكل زاد الأعباء على الصناعي المصدر، «والحكومة قادرة على ذلك، ولتترك للمصدر الاهتمام بالمواصفات والجودة».
بدوره، يشدد أحمد الدراجي، مدير دار الدراسات الاقتصادية، في درعا، على ضرورة تبني استراتيجية وطنية لتطوير الصادرات، بما يتناسب مع الأسواق الآسيوية الواعدة، «عبر تطوير هيكلية الإنتاج، وزيادة حجم الصادرات ذات الميزة التنافسية، كفلترة زيت الزيتون وتعبئته، والملابس الجاهزة، ودعم القطاع الخاص، ومراقبته لإنتاج بضائع منافسة مناسبة لأذواق الاستهلاك في أسواق التصدير، والتركيز على الاستثمار في قطاعات تنتج صناعات قابلة للتصدير، وإحداث مؤسسة لضمان الصادرات، ومصرف لتمويلها، بشكل يدعم حاجة البلد من القطع الأجنبي».