عاش المشهد العربي نهاية شهر آذار الماضي مجموعة تطورات في منتهى الأهمية، لا بد أن تترتب عليها تبعات لن تتوقف، حتى إن تراجعت حدة الأحداث المشتعلة من العراق إلى سوريا، مروراً بليبيا، وصولاً إلى اليمن. محدد الأهمية أن هناك تدخلاً عربياً عسكرياً في اليمن تحت ذريعة حماية الشرعية ووقف تقدم جماعة «أنصار الله».وتدحرج المشهد العربي حتى بات مدخلاً يستجلب تدخلات اقليمية اخرى، وذلك بعدما تحكمت فيه التدخلات الدولية طوال العقود الماضية. التدخل هذه المرة جاء من السنغال، ليكون السؤال: هل المتغيرات العربية أكثر خطورة من تلك الأفريقية حتى تقدّم دولة السنغال عرضاً للسعودية بنية المشاركة في «عاصفة الحزم»؟

وصل الرئيس السنغالي، ماكي سال، خلال الأسبوع الماضي الى السعودية، والتقى الملك سلمان وبحثا العلاقات الثنائية ومستجدات الاحداث في المنطقة والعالم. حتى الآن الأمر عادي. لكن وكالة الأنباء السعودية أوردت لقاءً آخر مختلف الحيثيات والدلالات، إذ إن الرئيس السنغالي استقبل في مقر إقامته وزير الدفاع السعودي، محمد بن سلمان، وذكرت الوكالة أن اللقاء ناقش المشاركة العسكرية لجمهورية السنغال في تحالف «عاصفة الحزم».
هل تستطيع السنغال تقديم عرض مماثل للمشاركة العسكرية في عمليات قائمة في أي دولة أفريقية؟ ولماذا عُرض الأمر ونُوقش مع وزير الدفاع السعودي ومستشار الملك الخاص ولم يعرض اثناء لقاء الرئيس بالملك؟
حيثيات المبادرة السنغالية للمشاركة العسكرية، قد تكون موجودة في ما قاله وزير الخارجية السنغالي، مانكير إنغاي، نهاية شهر نيسان من العام الماضي، حين ذكر أن حصة السنغال من الاستثمارات الموجهة من طرف الصندوق السعودي للتنمية إلى دول غرب أفريقيا وصلت إلى نسبة 40%. وهي استثمارات موجهه الى التنمية الاجتماعية فقط، بعكس الاستثمارات الإيرانية التي بنت في العاصمة، دكار، مصنع «خضرو» للسيارات الايرانية، ووعدت ببناء مصفاة للنفط ومصنع للكيميائيات وآخر للجرارات الزراعية.
قطعاً، لا يمكن أن تتشابه أو تتقاطع محددات السياسة الخارجية السنغالية مع محددات السياسة السعودية لاعتبارات سياسية وجغرافية واستراتيجية. ولأن السنغال تعرض على السعودية ما لا يمكنها عرضه على أي دولة افريقية أخرى، فهل كان محدد الاستثمارات هو المحدد الرئيسي للعرض السنغالي؟ أم أن السنغال تريد استدراك الدور السوداني ومشاركته الرمزية في التحالف؟ هل تريد السنغال الاستفادة من علاقاتها بإيران في التقارب مع السعودية عملاً بمبدأ الابتزاز والنكاية؟ وما هي حظوظ السياسة السعودية في القارة الأفريقية، ولا سيما بعد تلاشي الدور الليبي الذي كان يقوده العقيد معمر القذافي لقطع الطريق على أي خطوة سعودية هناك؟
لا يختلف المشهد الأفريقي إطلاقاً عن نظيره العربي، بل إن حرارة الوقائع فيه أشد أثر وخطورة على مثيلاتها العربية، من جهة الصراع العرقي والإثني والديني، حتى وصل الأمر حد التقسيم الجغرافي والسياسي كحال السودان وحال الصومال وحال نيجيريا ومالي وحال كينيا التي قتلت فيها «حركة الشباب المجاهدين» الصومالية، يوم الخميس الماضي، ما يزيد على 150 طالباً في «جامعة غاريسا» في شمال شرق البلاد. بماذا ردت كينيا؟ هل طالبت بتدخل افريقي في الصومال؟ هل شُكل تحالف أفريقي من أجل ذلك؟
هذا هو الفارق بين المشهدين العربي والأفريقي، برغم ان الوقائع الافريقية تؤكد أن القارة كانت متصدرة في مظاهر الانقلابات وعدم الاستقرار والصراعات، لكن افريقيا عبر اتحاد دولها رفضت، مثلاً، ما حدث في مصر فعلقت عضويتها في الاتحاد لأكثر من عام ونصف. وإذا صح استحضار المنطق العربي في المشهد الأفريقي، فهل لكينيا والصومال حق السؤال عن الداعم الحقيقي، فكراً وممارسة ومالاً، لـ«جماعة الشباب المجاهدين» في الصومال؟ وهل هناك ما ينفي دوراً عربياً خليجياً محتملاً ومخفياً وراء «الشباب المجاهدين» أو «بوكو حرام» مثلاً؟
تبعات تدخل دولة في شأن داخلي لدولة ما لا تتوقف ولا يمكن قياس ردة الفعل لاحقاً، والقانون الدولي أفرد مساحة ومجموعة مواد قانونية آمرة تحظر تدخل الدول في شؤونها. وإذا أسقط المشهد الأفريقي على نظيره العربي، نجد أن عملية «جامعة غاريسا» هي واحدة من أهم دلالات وتبعات التدخل. فوكالة الأنباء الفرنسية نقلت عن المتحدث باسم «حركة الشباب المجاهدين»، علي محمد راغي، تبريره الهجوم على الجامعة بالقول إن القوات الكينية تدخلت في الصومال منذ عام 2001، وإن قوات كينية ساعدت الجيش الصومالي على طرد مقاتلي «حركة الشباب المجاهدين» من مناطق استراتيجيه في الصومال، تحديداً مدينة كيسمايو الساحلية في تشرين الأول عام 2012. وخلص إلى القول إن العملية رد من «الشباب المجاهدين» على الدور الكيني.
وبالعودة إلى ما سلف، يتبين أن كينيا لم تنفرد بالتدخل، بل شاركت في إطار قوات الاتحاد الأفريقي. لكن هذا الإطار لم يعفها من رد «الشباب المجاهدين» الصومالية حتى بعد مضي أكثر من ثلاث سنوات، الأمر الذي يبقي المشهد العربي مفتوحاً على كل الاحتمالات إذا ما قورن بنظيره الأفريقي وحيثياته ووقائعه ومتغيراته.
تؤكد الإحداثيات أن النفوذ المالي وحده هو من بات يحكم المشهد العربي الذي انفردت به بعض الدول التي باتت تخلع رئيساً وتطيح آخر وتثبت ثالثاً، حتى لو كان ملفوظاً ومرفوضاً وخرجت الملايين ضده. هذه الإحداثيات والتحكم في المسارات تجاوزتها أفريقيا. فهذه نيجيريا أكبر دولة أفريقية في تعداد السكان (150 مليون نسمة) تجري انتخاباتها الرئاسية وتفوز المعارضة ممثلة بـ«حزب المؤتمر التقدمي» ويرأسها مسلم دون تدخل او تغيير في مسارات النتائج، الأمر الذي لا يزال المشهد العربي غير قادر على تجاوزه، برغم عصف الربيع العربي به.