اللاذقية | على مدى ثلاثة أيام تحيي اللاذقية مناسبة رأس السنة السورية الـ 6765 التي تصادف وفقاً للتقويم السوري في الأول من نيسان من كل عام. احتفالات عكست إرادة السوريين بتكريس الحضارة والهوية السورية وإعادة الاعتبار للقيمة التراثية لهذا اليوم الذي ضاعت هويته، فبات يعرف بـ«عيد الكذب»، فيما كان يحتفل به السوريون القدماء بوصفه يوم رأس السنة أو «عيد اكيتو» موعد هبوط «عشتار» إلى العالم السفلي لإنقاذ «تموز».
وتضمّن الاحتفال مهرجانين تضمنا عروضاً مسرحية وموسيقية وغنائية راقصة ورياضية ومعارض كتب وفن تشكيلي وأشغال يدوية. المهرجان الأول حمل عنوان «إرادة الحياة» وأقيم في «حديقة العروبة»، من تصميم «منفذية الطلبة الجامعيين في اللاذقية في الحزب السوري القومي الاجتماعي»، وكان لافتاً الديكور الذي جسد مدناً سورية أثرية، معتمداً على مواد معاد تدويرها. وعلى بعد أمتار، كان المتحف الوطني يشهد احتفالات «مهرجان الربيع السنوي».
«شاتو بريختو لكولخون» (سنة مباركة للجميع)، «شاتو دحوبو وشينو» لسوريا (سنة محبة وسلام لسوريا)، عبارات تداولها المحتفلون في هذه المناسبة التي تمجّد «الاتحاد مع الطبيعة والاحتفاء بتجددها وانبعاثها»، علاوة على كونها محاولة لتوحيد السوريين خلف هويتهم بغض النظر عن انتمائهم الديني. «رأس السنة السورية هو إحياء للثقافة السورية وفرصة لجمع السوريين معاً بمختلف أديانهم وطوائفهم، فالتقويم السوري لا يستند إلى مناسبة دينية كما هي الحال مع التقويمين الهجري والميلادي»، يقول هيثم إسماعيل أحد المشاركين، ويضيف: «أنا كمواطن سوري أدعو إلى اعتماد التقويم السوري أسوة بالتقويمين الميلادي والهجري، وأن يُعتمَد هذا اليوم احتفالاً رسمياً على امتداد الخريطة السورية». بدوره، يلفت أسامة سليمان، أحد منظمي «مهرجان الربيع» إلى أنّه «كما العرب الصحراويون فرضوا علينا رأس السنة الهجرية، ويوليوس قيصر فرض على العالم السنة الميلادية، نسعى هنا إلى الاعتراف برأس السنة السورية. ليس اعترافاً بالتوقيت فقط، بل أيضاً بهوية غائبة وضائعة».
واعتبر أنّه «سابقاً لم يكن هناك أي وعي بمرجعية رأس السنة السورية التي كانت مقتصرة على بعض الاحتفالات الشعبية في الساحل السوري، لكن بغير دراية بها حيث كانت تُلبس لبوساً دينياً. لكن اليوم مع استمرار الأزمة السورية بدأ طرح الأسئلة الصعبة وصار الناس يكوّنون قناعات جديدة حول ضرورة تكريس الهوية السورية والحضارة السورية».
حالة بكائية أصابت جمهور «مهرجان إرادة الحياة» جراء تأثر ممثلات أثناء أدائهن مشهدية مسرحية وطنية، وبكائهن بحيث عجزن عن متابعة أدوارهن للحظات. حالة تصفها رنا محمد التي حرصت على حضور المهرجانين بأنها كانت جامعة للحاضرين في شعور واحد. «بكيت مع الجمهور أمام ثلاث ممثلات لم يستطعن الكلام وهن يبكين. وبعد أن ذهبنا إلى المتحف الوطني صرنا نغني مع عازف السكسفون الجميل، ثم تراقصنا على أنغام عازف الإيقاع. بكينا وضحكنا ورقصنا. وربما هذه هي رسالة هذه الاحتفالات، أن الشعب السوري الذي يبكي أمام الكلمة يغني ويرقص عند أول إيقاع. نحن شعب مقهور لكننا شعب قوي ونحب الفرح، نحن شعب حيّ وسنولد من جديد»، تضيف.