ينقل أحد النشطاء من أبناء منطقة القطيف ممن عايشوا الشيخ نمر النمر أنه كان أيام ذروة الحراك المطلبي في المنطقة، يؤكد لشباب التظاهرات أن لا داعي للتقنع وتغطية الوجوه في أثنائها، وهو ما اعتاده بعض المشاركين من لف الكوفيات على أسفل الوجه، تحسبًا للملاحقات الأمنية، وقد دفع بعضهم بالفعل ثمن الظهور أمام الكاميرات وتعرّف أجهزة الأمن إلى هوياتهم إعتقالات وملاحقات.
لم يكن الشيخ جاهلًا عدوّه، لم يكن غافلًا عن وحشية هذا العدو، ولا من فئة المخطئين حساباتهم أو المتهورين في أخذ القرارات. تعمّد الشهيد النمر أن يسن سنة الجرأة على آل سعود. علم ببساطة أن هؤلاء بكثرة سوءاتهم وشدة قباحتها أعجز من أن يقدروا على التستر، فالكلمة مهما صغرت أو ضعفت ستفضحهم، ستعريهم، والكلمة كانت بجانب ثقة الناس ومحبتهم سلاح الشيخ.
جرأة القول قرنها ابن بلدة العوامية، بجرأة الفعل. لم يكن في عيون مريديه القائد الذي يكتفي بالتوجيه الثقافي أو السياسي من خلف منبر أو قلم أو من وراء شاشة. بقامته الطويلة وبحركته السريعة كما اشتهر، كان يتنقل وحده، من تظاهرة إلى تشييع شهيد وزيارة إحدى عوائل الشهداء، يوزّع صوته الجهوري في خطب ساحرة، على حشود بات يمثل لها رمزًا منذ أن تصدى لتبني حقوقها. القامة الممشوقة والنحيلة يستذكرها جيدًا أبناء الجيل القديم، حين كان ينزل النمر إلى الصف الأول في تظاهرات انتفاضة 1400 (عام 1979). عادةٌ استمرت مع الشيخ القائد الذي أصر على تقدم الصفوف الأولى في تظاهرات حراك 2011 ليقف بوجه المدرعات بكل ثبات وشجاعة.
لم يصطنع ذو الأصول النجدية، تلك الشجاعة قط، كأنها كانت مجبولة بإبن العائلة المشهورة بباعها الطويل في رفض الإستعمار البريطاني ومقاومته. من 1979 إلى 2011 مرورًا بمصالحة 1993 وأحداث 2008، لم تتبدل ملامح المخضرم بزمنين ثوريين مشابهين، وما بينهما من مصالحة رفضها القيادي في حركة الطلائع، كما رفض الذهاب إلى أي مجلس من مجالس بيعة ملوك آل سعود.
مثّل عام 2008 مفصلًا في تبريز شجاعة الشيخ، حين خرج بجرأة غير اعتيادية للإعتراض على الإعتداءات التي أقدم عليها حراس الوهابية بحق زوار مقبرة البقيع في المدينة المنورة. بعد هذا الموقف، بدأ النمر بدفع الأثمان تشرّدًا وتخفّيًا وسجونًا، حتى عام 2011 حين استحالت المواجهة إلى تمام علانيتها. بغض النظر عن التحليل السياسي وتوقيت الجريمة، من أراد أن يتعرف إلى تهمة الشيخ النمر، عليه أن يعرف هذا الجانب في شخص الرجل، أن يعرف جرأة وشجاعة بمنسوبين لا نظير لهما في مملكة الصمت. خاتمة ذهب إليها النمر على قدميه بلا ريب، يؤكد ذلك أحد النشطاء المعايشين للشيخ. كان الشيخ يردد على الدوام أنه مقتول لا محالة.
جلّت شهادة الشيخ النمر في المقابل الوجه الحقيقي لآل سعود، بجاهليته وأعرابيته بل وجبنه من خلال جمع الشيخ في قائمة إعدام إلى المنتمين لتنظيم "القاعدة". ينقل مصدر مطلع رفض الكشف عن هويته، أن محمد بن نايف كان على مواكبة تامة لتعذيب الشيخ النمر داخل سجنه بالرياض. أخذ الأمر طابعًا شخصيًا بالكامل، دخل بن نايف إلى زنزانة الشيخ، يؤكد المصدر، حاول أن يثنيه عن مواقفه بحق والده نايف، وأن يساومه على تراجع، وحين رفض الشيخ أن يتراجع عن حرف قاله بحق نايف بن عبدالعزيز، أقدم سفاحها على اقتلاع أحد أضراس الشيخ النمر بآلة حديدية.
ربما تكون الرواية هذه بعيدة من التصديق، إلا أن هذا الوجه لبن نايف وبقية أمراء سلالة آل سعود، لا يخفيه هؤلاء أنفسهم. بعد ساعات على تنفيذ حكم الإعدام، جمع بن نايف مساء ولي عهده محمد بن سلمان، ووزير الحرس الوطني متعب بن عبدالله، ورهطًا من آل سعود، في حفل سباق نادي الفروسية على كأس "ولي العهد لجياد الإنتاج المحلي والمستورد" للفئة الثانية، بميدان الملك عبدالعزيز للفروسية الجنادرية.
هكذا احتفل سفاحها انتقامًا لأبيه، بكل صلف بان على وجهه في حفل الفروسية مساء السبت. أما وجه النمر الأخير، الذي لم يسمح حتى لعائلته بأن تودعه، فلا يصعب أن نتخيله، كما لم يتبدل طوال الأعوام الماضية، فاتحًا عينيه بوجه سياف آل سعود، ومحدقًا فيه بثبات وهو يستعير كلمات من أدبيات عاشوراء التي كان يستخدمها على منبر مسجد العوامية: وما حززت إلا نحرك... وما أيامك إلا عدد.