القاهرة | في الوقت الذي اتجه فيه الاهتمام العام نحو المؤتمر الاقتصادي الذي انعقد في شرم الشيخ منتصف الشهر الماضي، نشرت الجريدة الرسمية في مصر نص «قانون الخدمة المدنية» الجديد عقب توقيعه من الرئيس عبد الفتاح السيسي، ليفاجأ الجميع ببدء سريان العمل به من دون عرضه على أيّ من النقابات أو الاتحادات الممثلة للموظفين، أو حتى طرحه على المجتمع عبر وسائل الإعلام لإجراء نقاش عام حوله.
تُحدِث نصوص القانون المذكور تغييرات جذرية في عمل الجهاز الإداري في مصر، إذ يغيّر جدول أجور الموظفين، وطريقة تقييمهم، والجزاءات الإدارية التي ستقع عليهم، وأيضاً طرق الخروج على المعاش المبكر. والقانون المكوّن من 72 مادة ويلغي العمل بالقانون السابق رقم 47 لسنة 1978، أحيل عدد كبير من مواده على لائحة تنفيذية يضعها مجلس الوزراء في مدة لا تزيد على ثلاثة أشهر بدءاً من يوم الصدور.
ووفقاً لتقرير الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة لعام 2013، يزيد عدد العاملين في الحكومة على سبعة ملايين موظف، أي ما يمثل نسبة 20% من إجمالي القوى العاملة في مصر. وتشمل هذه الإحصائية العاملين في الجامعات وقطاعات التعليم والصحة والإدارات المحلية والخدمية والاقتصادية، فضلاً عن الجهاز الإداري، وهي القطاعات المفترض أن تسري عليها نصوص هذا القانون.
وفي مؤتمر صحافي عقد يوم الأحد الماضي، دعا وزير التخطيط والإصلاح الإداري، أشرف العربي، كل المعنيين وممثلي الموظفين إلى المشاركة في وضع اللائحة التنفيذية للقانون، قائلاً إن «القانون محور أساسي في إصلاح الجهاز الإداري، ويلبّي طموحات التغيير».
لكن صدور القانون بشكل مفاجئ أثار حفيظة بعض المعنيين، وممثلي النقابات الذين رأوا في قرار إصداره دون التشاور معهم تجاوزاً لحقهم في التنظيم والمشاركة في وضع القوانين التي تطال عملهم. وأصدرت دار الخدمات النقابية والعمالية تقريراً تضمن 11 ملاحظة حول القانون، كان أبرزها غياب ممثلي العاملين والمعايير التي وُضع على أساسها، وتضمنت أيضاً الملاحظات بعض النقاط داخل القانون مثل منح الرؤساء المباشرين سلطات واسعة في توقيع الجزاءات الإدارية على الموظف.
وعلى هامش حلقة نقاشية بعنوان «قانون الخدمة المدنية إهدار لحق العمل والتنظيم»، قالت لـ«الأخبار» نائبة رئيس «اتحاد النقابات المستقلة» الباحثة في الشؤون العمالية، فاطمة رمضان، «فوجئنا بصدور القانون عشية المؤتمر الاقتصادي دون عرضه على أي جهة، مما يوحي بأن (الرئيس عبد الفتاح) السيسي كان يوجه رسالة للمنظمات التي تمنح الحكومة أموالاً وكانت تبدي بعض الاعتراضات على عجز الموازنة، بأن الدولة في طريقها لتقليل عدد الموظفين وتخفيف عبء موازنتهم عنها».
وأوضحت رمضان أنّ «خطورة القانون تكمن في عدة نقاط، أهمها أنه عدّد الطرق التي يمكن بها التخلص من الموظفين، منها إلغاء فكرة فصل الموظف الحكومي بحكم من المحكمة الإدارية، وإتاحة إمكانية فصل الموظفين بناءً على تقييم من إدارة الموارد البشرية».
واستحدث القانون في نصوصه إدارة للموارد البشرية تشكل في كل وحدة، يكون لها عدة صلاحيات تشمل النظر في قرارات تعيينات قطاعات من الموظفين ومنح العلاوات ونقل الموظفين، إلى جانب اعتماد تقارير تقويم أداء الموظفين واقتراح البرامج اللازمة لتطوير أدائهم.
واستحدث القانون طريقة جديدة لتقييم الموظفين الحكوميين من خلال تقارير عن أدائهم تعد مرتين خلال العام الواحد، فإذا كان تقييم الموظف ضعيفاً لمدة عامين متتالين تقترح إدارة الموارد البشرية نقله إلى وظيفة أكثر ملاءمة، ثم حسم 50% من الأجر المكمل الذي يحصل عليه كل 6 أشهر، أو فصله نهائياً من العمل إذا كان غير صالح.
وتعلّق رمضان على هذه النقطة قائلة إنّ «هذه المادة جعلت تقييم الموظف في أيدي رؤسائه المباشرين، وأهملت دور ورأي متلقي الخدمة في عمل الموظف». وأضافت: «يشجع القانون الخروج على المعاش المبكر، من خلال منح الموظفين امتيازات كالترقية إلى الوظيفة التالية لوظيفتهم من اليوم السابق على تاريخ إحالتهم على المعاش، وتسوية حقوقهم التأمينية بعد الترقية على أساس مدة الاشتراك في نظام التأمين الاجتماعي مضافاً إليها خمس سنوات». ونبّهت رمضان إلى أن تلك المادة تحديداً تشكل كارثة، لأنها ستضر بصندوق المعاشات لما فيها من خلل في الجدول الزمني الذي يعمل به الصندوق.
إلى جانب ذلك، حجزَ القانون نسبة من الوظائف الحكومية لمصابي الشرطة خلال العمليات ــ لم تحدد حتى الآن ــ إضافة إلى نسبة للمحاربين القدامى ومصابي العمليات الحربية. وإذ يمتلئ القانون بثغر ليست في صالح الموظف، إلا أنه لا يخلو من بعض المميزات «غير المكتملة» بحسب ما ترى فاطمة رمضان، إذ زاد من مدة إجازة الوضع للمرأة العاملة لتصبح أربعة أشهر بدلاً من ثلاثة، كما زاد من إجازات ذوي الإعاقة لتصبح 45 يوماً، إلا أنه ترك نسبتهم في الوظائف الحكومية 5% (كما هي)، وتجاهل مطلبهم بجعل نسبتهم متوافقة مع عدد ذوي الإعاقة في المجتمع. ومن ضمن المميزات أيضاً منح إجازة بأجر كامل للموظف الذي يدرس خلال أيام امتحاناته، لا تحسب من رصيد إجازاته.