لم تكد السفارة السعودية الأولى في العراق، بعد انقطاع دام ربع قرن، تفتح أبوابها، حتى أعلنت الرياض تنفيذ حكم الإعدام بحق الشيخ نمر باقر النمر، ضاربة عرض الحائط بكافة المناشدات والدعوات والوساطات التي بذلت، منذ إعلان صدور الحكم في شهر تشرين الأول الماضي، وخصوصاً تلك التي بذلتها أطراف عراقية، ولا سيما مفتي أهل السنّة والجماعة، الأمين العام لدار الإفتاء الشيخ مهدي الصميدعي، الذي أعلن مكتبه أن مكتب الملك السعودي أبلغهم، قبل أيام، بقول "التشفّع" وتأجيل الحكم.
من أكثر التصريحات والمواقف اللافتة كان البيان الذي أصدره رئيس الوزراء حيدر العبادي، الذي ندد بإعدام النمر، داعياً الرياض إلى الابتعاد عن "سياسة تكميم الأفواه وتصفية المناوئين، لكونها لن تجلب إلا المزيد من الدمار والخراب". وذكر العبادي، في بيانه، أنه تلقى "بأسف بالغ وصدمة شديدة نبأ تنفيذ حكم الإعدام بالشيخ نمر النمر، من قبل السلطات السعودية"، مشيراً إلى أن "التعبير عن الرأي والمعارضة السلمية، هما حقان أساسيان من حقوق الإنسان تكفلهما الشرائع السماوية والقوانين الدولية".
وتلا موقف العبادي بيان شديد اللهجة من وزارة الخارجية العراقية، التي وصفت الإعدام بـ"الجائر". وقال المتحدث باسم الوزارة أحمد جمال إن "تهمة الإرهاب التي أعدم بسببها الشيخ النمر كانت لا بدّ أن توجه إلى العناصر الإرهابية المجرمة من عصابات داعش وغيرها، لا إلى المعارضين بالرأي والكلمة والمعبرين عن إرادة الشعوب". جمال اعتبر أن "القيام بإعدام رجل دين معارض ومسالم وغض الطرف عن العديد من رجال الدين الذين يصدرون العشرات من فتاوى التكفير والقتل والموت والممولين للإرهابيين بالمال والسلاح، هو تمييز طائفي واضح لن يخدم حالة الاستقرار في المنطقة ولا السلم الأهلي بين شعوبها".
إلا أن "الأخبار" علمت أن بيان العبادي، الذي أصدره أول من أمس، أدى إلى امتعاض جهات سياسية عدة، داخل "التحالف الوطني" وخارجه، أجرت اتصالات هاتفية مع العبادي، بعد ساعات على صدور البيان، معتبرة أنه جاء في وقت غير مناسب، خصوصاً أن العراق يسعى إلى ترميم علاقاته بالسعودية والخليج، بعد موافقة الرياض على فتح سفارة لها في بغداد، وتسمية سفير جديد لها.
جاء الإعدام لرغبة بعدم التفاوض بعد الأنباء عن المطالبة بإطلاق النمر مقابل القطريين

مصدر مطلع تحدث لـ"الأخبار" عن المكالمات التي تلقاها العبادي من سياسيين ووزراء ونواب أبلغوه فيها بامتعاضهم من البيان وطريقة صياغته. وبيّن المصدر أن "أحد كبار السياسيين داخل التحالف الوطني قال للعبادي إنه لا ينبغي للحكومة أن تنقاد وراء الفايسبوك ودعايات مواقع التواصل الاجتماعي". وأشار إلى أن "أحد الوزراء قال للعبادي إن بيانه كان بمثابة رصاصة الرحمة على مساعي العراق لتحسين علاقاته مع الخليج، والسعودية تحديداً".
أما المرجع الديني الأعلى علي السيستاني، فقد أصدر برقية تعزية أعرب فيها عن إدانته واستنكاره لإعدام النمر. وقال في البرقية إنه تلقى "ببالغ الأسى والأسف نبأ استشهاد جمع من إخواننا المؤمنين في المنطقة، الذين أريقت دماؤهم الزكية ظلماً وعدواناً، ومنهم العالم المرحوم الشيح نمر النمر (طاب ثراه)".
من جهته، رأى الكاتب والمحلّل السياسي قاسم السنجري أن إقدام السعودية على إعدام النمر جاء برغبة من الرياض بعدم الدخول كطرف في مفاوضات لا تعنيها مع خصميها التقليديين (قطر ــ وإيران)، بعدما تردّدت أنباء عن مطالبة جماعات بإطلاق سراح النمر مقابل الإفراج عن الصيادين القطريين، الذين اختطفوا الشهر الماضي جنوبي العراق. وأشار السنجري، في حديث لـ"الأخبار"، إلى أن تنفيذ حكم إعدام النمر جاء بعد مباحثات (قطرية ــ إيرانية) بهذا الشأن، مضيفاً أن آل سعود فضلوا تحمّل ردود الأفعال تجاه إعدام النمر على الدخول في تلك المفاوضات، أو إبداء تنازلات.
بموازاة ذلك، استغلّت فصائل عراقية عدة إعلان الإعدام، لدعوة الحكومة العراقية إلى تنفيذ أحكام الإعدام ضد السجناء السعوديين. القيادي البارز في "الحشد الشعبي" والأمين العام لكتائب "رساليون"، الشيخ عدنان الشحماني، قال في بيان إن "على الحكومة العراقية، كأقل إجراء ممكن اتخاذه بحق حكومة آل سعود الظالمة، قطع العلاقات مع هؤلاء المجرمين وغلق أي ممثلية أو سفارة لهم في العراق، كما أن عليها أن تنفذ فوراً حكم الإعدام بإرهابييهم الموجودين في السجون العراقية".
وفي السياق ذاته، دعا رئيس لجنة الأمن والدفاع البرلمانية القيادي في "التيار الصدري"، حاكم الزاملي، رئيس الجمهورية فؤاد معصوم إلى التصديق على أحكام الإعدام بالمحكومين السعوديين، وذلك رداً على إعدام النمر.
كذلك، دعا زعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر إلى الخروج بتظاهرات "غاضبة"، مطالباً الحكومة العراقية بمنع فتح السفارة السعودية في بغداد. وقال في بيان له إن "على شيعة السعودية أن يتحلوا بالشجاعة للرد، ولو بالتظاهرات السلمية، بل وشيعة الخليج كافة ليكون رادعاً للظلم والإرهاب الحكومي مستقبلاً".
إلى ذلك، طمأن السفير السعودي في العراق ثامر سبهان إلى أن بعثة بلاده في بغداد آمنة، وأن الحكومة العراقية مهتمة بهذا الأمر. وأعرب السبهان، في تغريدة له على موقع "تويتر"، عن "كل الشكر والتقدير لمن يسأل عن أمن البعثة"، وقال: "نحن ولله الحمد بخير، وهناك اهتمام من قبل الحكومة العراقية بذلك، ونأمل العقلانية والحكمة في أي طرح".