لن تنتهي تداعيات حملة الإعدامات السعودية قريباً. الهجوم والرد على المضاد سيبلغ مداه اعلاميا وشعبيا في السعودية والعالم العربي والإسلامي. ستحتاج معه السلطات السعودية إلى كامل طاقمها الإعلامي والديني للدفاع عما سمتها "رسالة تحذير" للمروجين لثقافة التمرد والمخالفين لسير العدالة الوهابية.
السيف الأملح من الأدوات الناجزة لمكافحة الإرهاب، كما يصفها سعد القويعي، الكاتب في صحيفة "الجزيرة". يقول "إن بقيت الأفكار الخوارجية الداعية لشق يد الطاعة عن ولاة الأمر؛ فستصنف ضمن دائرة الإرهاب، والمندرجة في باب جرائم الحرابة". فهد بن جليد، في الصحيفة نفسها، استغرب كون "بعض وسائل الإعلام العربية المأجورة والغربية المُغرّر بها تنتقد تنفيذ هذه الأحكام، وتحاول التأثير عليها حتى قبل أن يجري تنفيذها"، واصفا إياها "باللكمة القوية واللطمة الحازمة لكل من يمس بأمن المملكة".
محمد العرفج استعاد في صحيفة "الرياض"، سيرة العرب في إكرام الضيف في مقالة حملت عنوان (من قتل رعاياكم.. قتلناه!) على اعتبار أن من "قتلوا أولئك الضيوف في وطننا، اقتصصنا منهم بعقوبة عادلة"، تعلوها صورة امرأة شقراء فقدت عائلتها في احدى عمليات تنظيم "القاعدة" عام 2003.
مطلب الإعدام كان مطلباً شعبياً وفق الكاتب في صحيفة "الحياة"، سعود الريس، الذي حاول من خلاله تبرئة النظام السعودي من انتهاج مبدأ طائفي في حملة الإعدامات الأخيرة، لكون بعض ممن "نفذت فيهم تلك العقوبة يفوقون النمر علماً ومعرفة على غرار فارس آل شويل، فهل يا ترى أعدم المنظر الشرعي لتنظيم القاعدة لأنه سني؟". مقارنة آل شويل الملقب بـ (أبو جندل الأزدي)، فقيه تنظيم القاعدة بالشيخ الشهيد النمر، مقبولة بالنسبة إلى الكاتب السعودي، مادحا خضوعهما لمحاكمة عادلة وعلنية، ونيلهما "عقوبة غير مذهبية" وفق تعبيره.
وفي تقرير صحيفة "عكاظ" لمنصور الشهري، الذي حمل عنوان ("القاعدة" و"أشرار العوامية".. اختلاف المنهج واتفاق الهدف)، أسهب الصحافي السعودي في توضيح نقاط الإتفاق والإختلاف بين منفذي العمليات الارهابية التابعين لاسامة بن لادن، ومنظمي المسيرات السلمية في القطيف والعوامية (شرق المملكة). ووفق رؤية الصحافي سلطان بن بندر، جاء قصاص السيف الأملح عادلا بين السنة والشيعة، لكون الحكم شمل حتى تشابه الأسماء، بين الشيخ الشيعي نمر النمر و"ابن القاعدة" السني نمر البقمي في بيان الداخلية المسائي.
الأصل في العرف الصحافي لكتاب صحف النظام السعودي، أن لا وجود للتعاطف مع من اعتبرهم نشطاء عبر وسائل التواصل الاجتماعي، شهداء رأي، والذين جرى تضييع قضيتهم السلمية بخلطة "قاعدة" متعمدة. استنكرت الصحافة الرسمية التعصب للنمر مهاجمة الترحم والتمجيد لشخصه، اذ وفق "الوطن" السعودية، "فتح باب الترحم ووصفه بالشهادة يعني الشراكة في دعم الإرهاب".
"القصاص الذي يشفي الغليل باعتباره حقا مقضيا، حيث لا مساومة في أمن الوطن"، جاء بحسب "الاقتصادية" مبررا بكون "ليس احتفاء بالدم بل لحفظه من الغدر والهدر". ولتأكيد هذه المقولة استخدمت الصحيفة صورة من تفجيرات "مسجد الإمام علي" الشيعي، الذي تبنته "داعش" في (22 أيار الماضي) على انه تفجير مسجد قوات طوارئ مدينة عسير (غرب)، دلالة على الدقة والاحترافية الصحافية في تناول احكام إعدام السبت الأسود.
تبقى تلك السابقة التي جمعت المتحدث الرسمي باسم وزارة العدل منصور القفاري والمتحدث الأمني التابع للوزارة منصور التركي في المؤتمر الصحافي الذي دام حوالى الساعة. بدا واضحا، كيف نسقت وزارة الداخلية عمل الصحف بعد يوم من اعلانها تنفيذ أحكام الإعدام، خرجت البيانات والصور "انفوجرافيك" والمقالات والتقارير وحتى صفحات الكاركاتير، لتعبئة الفضاء المحلي السعودي ولتوضيح وشرعنة وتمرير أحكام الإعدام للنمر-خصصت لقضيته والتناول من شخصه ومذهبه أغلب تقاريرها- والـ46 الآخرين، ختمتها صحيفة "الشرق الأوسط" بحكمها على القتلى، كونهم "ليسوا سنة ولا شيعة، بل إرهابيون".