إسطنبول | مثلت تصريحات الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ضد إيرن أول من أمس والأسبوع الماضي، سابقةً لجهة وضوحها وحدّتها في الخطاب الرسمي التركي حيال الجمهورية الاسلامية الايرانية. هاجم أردوغان إيران متهماً إياها بالهيمنة على سوريا والعراق واليمن، ما يعكس حماسة الموقف التركي الجديد، للتضامن مع السعودية في حربها على اليمن، كخطوةٍ أولى على طريق إقامة تحالفات إقليمية جديدة، تحت شعارات طائفية تعادي إيران وحلفءها في المنطقة. وكان أردوغان قد قال يوم الخميس الماضي، إن إيران تحاول الهيمنة على المنطقة، مضيفاً أن «ذلك يزعجنا ويزعج السعودية ودول الخليج». وأضاف، بعد تأييد بلاده العدوان على اليمن: «على إيران أن تفهم أنه ليس من الممكن التسامح مع هذا الأمر». وتابع، في مقابلةٍ تلفزيونية، إن الصراع تحول إلى «صراع طائفي»، داعياً إيران إلى «سحب قواتها مهما كان لها في اليمن، وكذلك في سوريا والعراق، وأن تحترم سلامة أراضيها».

وعلى الرغم من هجومه الذي استدعى ردّاً من وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف، أعلن أردوغان أنه لن يلغي زيارته المقررة الأسبوع المقبل إلى طهران، حيث قال يوم أمس، إنه «ليس هناك تغيير في برنامجنا (...) نبقي زيارتنا كما هي مقررة ونتابع عن كثب الوضع في اليمن».
لن يلغي
أردوغان زيارته المقررة
لطهران الأسبوع المقبل

ولكن الوضوح في كلام أردوغان عن إيران، يثبت الرغبة التركية في التأييد العملي للرياض، في محاولة جديدة للعودة إلى المنطقة، بعدما خرجت أنقرة منها سياسياً عقب عزل الرئيس المصري، محمد مرسي، ودعم السعودية لعبد الفتاح السيسي. في هذا الوقت تستمر محاولات السعودية ومعها قطر، المنافس التقليدي، لعقد مصالحة تركية ـ مصرية، يبدو أنها لم تنجح حتى الآن، بسبب موقف السيسي الذي يجب عليه في هذه الحالة، إقناع الشعب المصري بمبررات وأسباب هذا القرار بعد كل الخلاف السابق بين القاهرة وأنقرة، ولكن يبدو أن تركيا متجهة إلى «العفو» عن كل ما مضى، تحت عنوان العداء المشترك لإيران مع الحلف السعودي ـــ المصري، لدوافع ظاهرها مذهبي.
غير أن العنوان المذهبي في الحرب السعودية على اليمن، يمكن كشف زيفه بلمحة تاريخية بسيطة. على سبيل المثال، أدت السعودية دوراً خطيراً في اليمن بين عامي 1962ـ 1968، قبل أن تستقبل الملك الإمام البدر بعد انقلاب عبدالله السلال ورفاقه عليه. ولم يقل أحد ٌ آنذاك، إن الإمام البدر «زيدي شيعي»، تماماً مثلما كانوا متحالفين مع شاه إيران رضا بهلوي خلال الحرب اليمنية آنذاك. كذلك، إذا أمعنا في مراجعة الاصطفافات على أساس طائفي، لقد كان الرئيس المصري الراحل، جمال عبد الناصر، العدو الأول لتركيا ولإيران، اللتين تحالفتا معاً ضد التيار القومي العربي في «حلف بغداد»، بدعمٍ ومباركة من السعودية والأردن. فبين عامي 1950 و1960، كانت أنقرة تقف مع ملوك العراق والأردن والسعودية وشاه إيران ضد القضايا القومية العربية حتى الثورة الاسلامية في إيران عام 1979، ما يثبت بوضوح أن الحديث المذهبي ليس إلا مبررات سعودية لتغطية المزيد من المشاريع في المنطقة.
إذ يبدو أن جلّ ما يعني آل سعود هو التآمر على دول المنطقة وشعوبها، بصرف النظر عن الأسباب والمبررات التي تختلقها لمصالحها الخاصة والمصالح الأميركية والغربية. فقد دعم آل سعود الرئيس العراقي الراحل صدام حسين في حربه مع إيران، ثم موّلوا التحالف الدولي ضد صدام في الكويت، وانتهوا بالتآمر عليه والتمهيد لاحتلال العراق.
واليوم جاء دور الحرب على اليمن، البلد الاستراتيجي وذي الأهمية القصوى بالنسبة إلى اسرائيل وشركات النفط العالمية بسبب مضيق باب المندب. تقف أنقرة في صفّ الرياض، مؤكدةً استعدادها لتقديم الدعم اللوجستي المطلوب في العمليات ضد اليمن. وقد اتخذ أردوغان موقفاً قوياً معلناً ضد طهران، بالتنسيق مع آل سعود الساعين منذ مدة إلى بلورة تحالف عربي ـ إسلامي جديد، تريد له أنقرة أن يخدم مخططاتها وخصوصاً تلك المتعلقة بسوريا والعراق.
يرى أردوغان في كل هذه التطورات، إضافة إلى قيام تحالف مع دول المنطقة ومصر فرصةً أخيرة لضمان استمرارية حكمه وحزبه، عبر الاستفادة من تصعيد لهجة العداء ضد سوريا والعراق وإيران من منطلقات التجييش الطائفي، ولا سيما بعدما أثبتت استطلاعات الرأي أن حزب «العدالة والتنمية» الحاكم، لن يحصل على الأغلبية التي ستمكنه من تأليف الحكومة وحده بعد الانتخابات البرلمانية في ٧ حزيران المقبل. وبات واضحاً أن المنطقة ستشهد في المرحلة المقبلة وحتى ذلك التاريخ، تطورات خطيرة، في سوريا والعراق ولبنان وليبيا واليمن، وربما إيران، إذ توقعت معلومات أن تجري محاولة استفزاز الأقلية الآذرية التي تعيش في غرب إيران على طول الحدود مع تركيا وأذربيجان، وخصوصاً أنها شهدت خلال السنوات الاخيرة تحركات للاستخبارات الأميركية والاسرائيلية. كذلك، فإن فرضية أن «يحرج» التحالف الجديد إيران بحدودها مع باكستان وأفغانستان بل حتى عبر الاقلية العربية في الجنوب الإيراني، واردة على نحو كبير.
كل ذلك لمنع إيران من الاستفادة من إيجابيات الاتفاق المحتمل مع الغرب حول الملف النووي، الذي تسعى طهران إليه لمواجهة المخططات السعودية المدعومة خليجياً ومصرياً وربما تركياً، بعد مصالحة مرتقبة بين السيسي وأردوغان.