كشفت صحيفة «هآرتس» عن معطيات جديدة بشأن هجرة يهود العراق إلى إسرائيل، من أهم ما تنطوي عليه، أنها تبدد المزاعم الإسرائيلية حول حقوق اليهود الذين هاجروا من الدول العربية إلى الدولة العبرية، خلال خمسينات القرن الماضي، وخاصة أن الرواية الإسرائيلية تؤكد أنه جرى تهجيرهم قسراً، مخلفين وراءهم ممتلكاتهم. وترمي محاولة نسج هذه المزاعم، من جانب المؤسسة الإسرائيلية، إلى إيجاد نوع من التوازن مع المطالب الفلسطينية بالعودة إلى منازلهم وممتلكاتهم، التي هُجّروا منها عام 1948، لكن ما نقلته «هآرتس» استناداً إلى مذكرات رجل الموساد في إيران، ودوره في نقل يهود العراق إلى إسرائيل، يؤكد أن عملية الهجرة كانت تجري بتخطيط وإدارة إسرائيليتين، ولا علاقة لها بالمزاعم عن الهجرة القسرية التي تروجها تل أبيب.
وأورد ضابط الموساد الإسرائيلي، السابق، ميناحيم ليفوبسكي، الذي كان يحمل لقب «ناحيك نبوت»، في مذكراته، كيفية نقل اليهود من العراق إلى إسرائيل، كما تناول في فصل من كتابه، محطات عن خدمته في لبنان، ويصف في هذا الإطار لقاء جمع بين بشير الجميل ومناحيم بيغن. وسلطت صحيفة «هآرتس»، استناداً إلى كتاب المذكرات الذي حمل اسم «الكون وما فيه، قصّة رجل موساد»، الضوء على علاقات إسرائيل مع أكراد العراق منذ ستينات القرن الماضي، ودورهم في مساعدة إسرائيل على هجرة يهود العراق.
أما عن الكيفية التي جرت بها عملية الهجرة، فيورد، نبوت، أنهم كانوا مزودين بقائمة أسماء وعناوين اليهود في بغداد، ومدن عراقية أخرى، حيث كان يجري تسليم هذه القوائم إلى «أصدقائنا الأكراد الذين كانوا يتوجهون بدورهم إليهم، ويبلغونهم الاستعداد للرحيل» بعد ذلك تضيف «هآرتس»، كان يجري نقل العائلات بواسطة آليات كردية إلى الحدود العراقية الإيرانية، ومن هناك إلى داخل إيران، ومن ثمّ إلى إسرائيل.
وفي ما يتعلق بإيران، ذكرت «هآرتس»، أنه في أيلول عام 1978، ومع بداية تقوّض نظام شاه إيران، أنيطت بنبوت مسؤولية أمن الجالية اليهودية والإسرائيلية في إيران، والاستعداد لإخلائها، في ضوء المخاوف من الثورة الإسلامية في حينه، ومن عودة الإمام الخميني إلى إيران. وأضافت أنّ أوّل الفارين كان رئيس الصناعة العسكرية لإيران، الجنرال توفينيان، وتلقى مساعدة من رجال «الموساد» في طهران، من أجل الوصول إلى المطار، والهروب من الدولة في إحدى طائرات شركة «العال». وتابعت «هآرتس» أنّ نبوت أُنقذ في نهاية المطاف على يد الأميركيين، بعدما استكمل مهمته في طهران.
كما نقلت عن نبوت قوله إنه عمل في بيروت بدءا من عام 1980، إلى حين «غرقنا عميقا في المستنقع اللبناني». ولفت أيضا إلى أنه منذ تسلم منصبه، عرف أن الحرب على لبنان أمر حتمي. ووصف في الفصل الذي تناول لبنان، لقاءً عقد في منزل مناحيم بيغن، في القدس المحتلة، بحضور الرئيس المنتخب، بشير الجميل، ووزير الخارجية الإسرائيلي، اسحاق شامير. ويروي نبوت، أنه خلال الحوار انفجر بيغن بالقول «سنذهب إلى بيروت ونسحق وندمر، وشعب إسرائيل حي ...». لكن نبوت يلفت إلى أنه وقف إلى جانب بيغن مذهولا من هذا الحديث، ومن قوة هذه المقولة.
وبحسب نبوت، اتضح له، لاحقاً، سبب خروج إسرائيل إلى عملية «سلامة الجليل»، ويشرح ذلك بالقول «مع مرور الأيام اتضح لي لماذا وافق بيغن على العملية: في كامب ديفيد أعطى بيغن موافقته على منح الفلسطينيين حكماً ذاتياً. ويبدو أنه ندم على ذلك، وعبر عن أسف عميق على موافقته، خشية أن يؤدي الحكم الذاتي إلى إقامة دولة فلسطينية. وبناء على ذلك كان من السهل إقناعه بأنه من أجل منع إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية، ينبغي اقتلاع القيادة الفلسطينية من لبنان، وإبعادها عن المنطقة».
يُشار إلى أن نبوت عمل في الموساد لمدة 40 عاماً، ووصل إلى منصب مساعد رئيس الموساد. عمل بدايةً في جهاز الاستخبارات «شاي». وفي عام 1952، تلقى نبوت، بعدما جرى تجنيده في «الشاباك»، مهمة «سكرتير خاص لرئيس الحكومة». ومن خلف العناوين أُخفي منصب آخر، مرافق بن غوريون «اخترت المرافق الأول للقائد الموقر». وفي عام 1955 انتقل إلى الموساد، وأدى مهمات مختلفة ما وراء البحار، ومن ضمنها، في شعبة «تيفل»، المسؤولة عن العلاقات الخارجية، وعلاقات «الموساد» مع منظمات في كافة أنحاء العالم. وفي عام 1969 أُرسل إلى إيران، ومن هناك أجرى اتصالات مع الأكراد في العراق، الذين ساعدوا على هجرة يهود العراق إلى إسرائيل.