صنعاء | دخلت الأزمة اليمنية، يوم أمس، منعطفاً خطيراً، توقع البعض أن يكون مدخلاً لحرب أهلية، ولا سيما في ظلّ الدفع الإقليمي الحثيث بهذا الاتجاه. يومٌ طويل من الفوضى الدامية شهدته مدينة عدن الجنوبية، إثر اندلاع مواجهات عنيفة بين «اللجان الشعبية» التابعة للرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي، والمسنودة من مجموعات عسكرية يقودها وزير الدفاع في الحكومة المستقيلة، محمود الصبيحي، إضافة إلى عناصر تابعة لتنظيم «القاعدة» من جهة، وبين قوات الأمن الخاصة بقيادة اللواء عبد الحافظ السقاف، الذي رفض الاعتراف بسلطة هادي عبر تمسكه بعدم الاستجابة لقرار إقالته الذي أصدره بعد انتقاله من صنعاء إلى عدن وإعلانها عاصمة بديلة.
الاشتباكات التي استمرت طوال النهار، مثلت ذروة الخلاف الذي استعر بين هادي والسقاف منذ أسبوعين، فبدا أن يوم أمس كان الساعة الصفر لشنّ أنصار هادي الهجوم على معسكر القوات الخاصة، العائق الأساسي في طريق تثبيت هادي شرعيته المزعومة في الجنوب.
وإضافة إلى عشرات القتلى والجرحى، أدت المعارك إلى سقوط معسكرات الأمن الخاصة بيد «اللجان الشعبية»، ونهب محتوياته، قبل فرار هادي من قصر المعاشيق، إلى جهة مجهولة، بعد قصف الطارات الحربية من صنعاء لمقرّه في عدن. هذا التطور المهم في المشهد اليمني، يأتي في توقيت لافت بعد حملة التجنيد التي أطلقها هادي لإعادة تشكيل الجيش أو لتكوين جيش رديف ضمن ازدواجية السلطة والمؤسسات التي يكرّسها هادي منذ انتقاله إلى عدن قبل ثلاثة أسابيع.
دعّم هادي في الأيام الماضية «اللجان الشعبية» التابعة له في الجنوب بأموالٍ خليجية، حيث أكدت أنباء وصول 3 مليارات ريال سعودي لتمويل هذه الحملة، وخصوصاً بعد رفض معظم القوى اليمنية نقل الحوار إلى الرياض، بناءً على دعوة هادي، ما أدى إلى إعطاء الضوء الأخضر للتصعيد الميداني، طالما أن المكاسب السياسية الخليجية لا تزال معلّقة. هذه الفرضية يدعمها ما قالته مصادر من جماعة «أنصار الله» عن ظهور القيادي في حزب «الإصلاح» (الإخوان) حميد الأحمر في عدن، بعد اختفائه منذ أيلول الماضي، تاريخ طرد الجماعة رموز «الإصلاح» من البلاد، في وقتٍ استقبلت فيه السعودية قادة الحزب، قبل الحديث عن اعتزامها إعادة تفعيل دورهم لمواجهة الحوثيين.
في هذا الوقت، نُسب بيانٌ إلى هادي يهنئ فيه «اللجان الشعبية والقوات المساندة لها على الانتصارات التي حققتها»، معلناً «السيطرة على مطار عدن ومعسكر القوات الخاصة». وأكد البيان الأنباء التي تحدّثت عن فرار هادي إثر قصف الطارات الحربية، مشيراً إلى أنه «أصبح في أمان».
واتهم هادي في البيان «أنصار النظام السابق والحوثيين بمحاولة انقلاب عسكري في عدن»، مشيراً إلى أن «الانقلابيين» مدعومون من «أركان النظام السابق»، في إشارة منه إلى الرئيس السابق علي عبدالله صالح.
وفيما كان معسكر القوات الخاصة يتعرّض للنهب بعد القصف المدفعي والصاروخي من قبل الجماعات المسلحة التابعة لهادي، كانت اللجنة الأمنية العليا التابعة لوزارة الدفاع في صنعاء، تدعو الأطراف كافة في عدن إلى ضبط النفس، مطالبةً إياهم بالعودة إلى طاولة الحوار والبحث عن مخارج وحلول للأزمة الراهنة. وكشفت اللجنة في البيان الصحافي أنها تواصلت مع اللواء الصبيحي لبحث السبل الكفيلة بإنهاء حالة التوتر وإعادة الاوضاع الى ما كانت عليه والحفاظ على الأمن في محافظة عدن.
وأكدت مصادر لـ «الأخبار» أن معسكر القوات الخاصة في عدن، تعرّض لعمليات سلبٍ واسعة بعد سيطرة «اللجان الشعبية» عليه، وأضافت أن مواطنين وعناصر اللجان سطوا على مخازن الأسلحة. وربط مراقبون عمليات نهب الأسلحة، بالنهب الذي مارسه المقاتلون في عام 1994 في الحرب على الجنوب.
وبحسب إفادات شهود عيان لـ «الأخبار»، شهدت سماء عدن طلعات جوية انطلقت من قاعدة صنعاء الجوية، قصفت مقر إقامة هادي وأجبرته على مغادرة قصر المعاشيق، في مساندة لمعسكر قوات الأمن الخاصة، وهو ما أكده بدوره محافظ عدن، عبد العزيز بن حبتور. وفي تصريحات لوسائل إعلام، قال الأخير إن إحدى الطائرات حلقت فوق مقر القصر الرئاسي، للتمويه على قصف الطائرة الأخرى، مشيراً إلى أن هادي نُقل إلى مكان آمن، وأنه «هو من يقود العمليات الأمنية والعسكرية في عدن». وقال بن حبتور بعد توقف الاشتباكات إن حصيلتها لم تتجاوز 13 قتيلا و21 جريحا.
ونشرت وسائل إعلام يمنية، نقلاً عن شهود عيان، أخباراً عن قصف بارجة أميركية معسكرات القوات الخاصة، في إسنادٍ لمجموعات هادي العسكرية، التي تؤكد مصادر أنها مترافقة مع عناصر من تنظيم «القاعدة»، فيما أضافت المصادر أن طائرة عسكرية إماراتية هبطت في مطار سقطرى، يقودها الطيار احمد حمدان ال نهيان، ولا أنباء عن الغرض الذي جاءت تلك الطائرة العسكرية من اجله.
في سياق متصل، دعت قيادة وزارة الداخلية إلى رفع درجة الاستعداد القتالي والجاهزية الأمنية بنسبة 10% في محافظات حضرموت وشبوة «لمواجهة أي أعمال إرهابية محتملة». وجاء هذا التحرك الأمني عقب دعوات أطلقتها وسائل إعلام تابعة لهادي ولحزب «الاصلاح» (إخوان) تحذر مما سمّته «سقوط حضرموت بيد الحوثيين»، بالتزامن مع الترويج لأخبار عن استنفار للجماعة على حدود مأرب، ما يمكن وضعه في خانة الإنذار لاحتمال تنفيذ «القاعدة» عمليات إرهابية تحت مبرر استهداف «أنصار الله»، وخصوصاً أن الداخلية أكدت وجود تنظيم «الدولة الاسلامية» (داعش) في حضرموت.
إلى ذلك، تبنت «أنصار الشريعة» التابعة لتنظيم «القاعدة» أمس عملية اغتال القيادي الحوثي عبد الكريم الخيواني قبل يومين.