قد تكون رائحة الدم القادمة من الغوطة المحيطة بمدينة «دمشق» مشبعة بأوبئة نفسية ومرضية، رمت أحمالها على أحياء العاصمة، فانتشرت أمراض وبائية بين السكان. مرض «التهاب الكبد» زاد من معاناتهم المعيشية وكرس القلق بينهم.
فالمدنيون الذين هربوا من نيران الحرب في المناطق الساخنة والتجأوا إلى الداخل الدمشقي الأكثر أماناً مما يحيط به من الريف، لم يتبدد قلقهم من شبح الموت بعدما انتشرت مثل تلك الأوبئة التي تودي بحياة من تصيبه. ها هي السيدة عزيزة العبد، التي هربت بأطفالها الثلاثة من بلدة عين ترما في الغوطة، واستقرت في أحد مراكز الإيواء الدمشقية، تقول: «يبدو أن الموت يبحث عنا في أي مكان نذهب إليه، فمرض «اليرقان» منتشر بكثرة في المركز بسبب الازدحام البشري، وأي طفل ضعيف المناعة يصيبه هذا المرض قد يموت». ذاتها غريزة الأمومة دفعت منال العصري، إلى الامتناع عن إرسال أولادها إلى المدارس لمدة أسبوعين خوفاً من أن ينتقل المرض إليهم بعدما سمعت بانتشار هذا المرض في مدرستهم وتقول: «لا إجراءات تقوم بها الجهات المعنية إزاء المصابين بهذا المرض، فيجب عزلهم صحياً لمنع نقل العدوى أو تلقيح جميع الطلاب في المدارس، والأمر عائد أيضاً على الأشخاص الذين يخفون إصابتهم فيتسببون بنشر المرض أكثر».
أيمن حقي، كيف وصل هذا الفيروس إليه، جراء عدوى أو من خلال ماء أو طعام ملوث، ويتابع حالياً أخذ الدواء والتعليمات الطبية ويقوم بالتحاليل المطلوبة حتى نهاية شهر العلاج، ويقول: «ليس هناك دواء محدد لهذا المرض، إلا أن بعض الأطباء ينصحون ببعض الفيتامينات، والتي يصل سعرها إلى حوالى 1000 ليرة سورية. أما لقاحات الوقاية فموجودة بشكل قليل في بعض العيادات الخاصة ويصل سعرها إلى 3000 ليرة». تحذيرات يتداولها سكان العاصمة طلباً للوقاية من هذا المرض. الطالبة الجامعية نور العلي تقول: «التعليمات معروفة لدى الجميع، أحاول وأنصح الجميع بعدم تناول الأطعمة من السوق وعدم استخدام النرجيلة في المقاهي والابتعاد عن المراحيض العامة»، غير أن الكثيرين لا يلتزمون بتلك التحذيرات التي يعونها جيداً، إذ إنهم يعزون أسباب المرض إلى مصدر لا يد لهم فيه. أما رامي خطاط، فيعبّر عن انزعاجه من الفكرة بحد ذاتها ويقول: «هل يعقل أنه في القرن الواحد والعشرين أن تصاب مدينتنا بمثل هذا الوباء؟؟».
وفي مقابل القلق الذي «يجتاح» المواطنين، تعتبر وزارة الصحة أن حالات «التهاب الكبد A» المسجلة في سوريا لا تزال حتى الآن ضمن نسبة الانتشار الطبيعية على المستوى الوطني، وأنه ليس هناك أي تفشّ أو وباء وفقاً لتصنيف منظمة الصحة العالمية. وخلال تحرير هذه المادة، وصل خبر وفاة الفتى «سامي جبري» 13 عاماً بعد إصابته بهذا المرض، وهي حالة الوفاة الخامسة حسب ناشطين على «الفيسبوك» من 800 حالة مرضية صرح بها مدير الصحة في دمشق هيثم الحسيني منذ أيام.
وفي اجتماعها الأسبوعي الأخير، حاولت الحكومة طمأنة السوريين إلى أن «حالات الإصابة بالتهاب الكبد الوبائي في تراجع مستمر»، وهي تعمل على «منع ظهور حالات جديدة في المدارس والأرياف».