لم تحرر نتائج الانتخابات الإسرائيلية، المستجدة التي تكشفت صباح أمس، رئيس حزب «الليكود» بنيامين نتنياهو من حقيقة أن استقرار حكومته المقبلة واستمرارها، سيكون رهينة حزب أو أكثر. ويأتي ذلك على الرغم من أنه حقق تقدماً ملحوظاً على منافسه «المعسكر الصهيوني»، اذ تعدلت النتائج الأولية، التي أظهرت بدايةً تعادلاً بين الطرفين، لتنتهي على فوز «الليكود» بـ 29 مقعداً، بينما تحصل «المعسكر الصهيوني» على 24 مقعداً. ووفق حساب المقاعد التي نالها معسكر اليمين، سيكون نتنياهو أسير رئيس كتلة «كولانو » موشيه كحلون، بالاشتراك مع «الحريديم» وسيكون متعذراً عليه تشكيل حكومة يمينية، من دونهما.
ورغم أن نتنياهو حقق تقدماً ملحوظاً في الانتخابات العامة، بالقياس إلى النتائج التي حققها في الانتخابات السابقة في العام 2013، عندما تحصل «الليكود» على20 مقعد من ضمن تكتل معحزب «إسرائيل بيتنا»، لكن هذا التقدم، لا يغير من حقيقة أن الساحة السياسية الإسرائيلية ستبقى خالية من حزب مهيمن يمنح الحكومة الاستقرار والاستمرار.
من أبرز ما تميّزت به هذه الانتخابات، أن التقدم الملحوظ الذي حققه نتنياهو يتعارض مع كافة استطلاعات الرأي التي كانت تؤكد على أن «المعسكر الصهيوني» يتقدم علي «الليكود» بنحو 3 مقاعد، وصولاً إلى المخاوف من أن لا يتجاوز «الليكود» العشرين مقعداً.
من أجل التغلب على هذه المعطيات، عمد نتنياهو بداية على اقناع جمهوره بأنه الوحيد القادر على المحافظة على أمن مواطني إسرائيل، حتى لو لم يتمكن من تحسين الوضع الاقتصادي. وفي هذا السياق، حاول اقناع الجمهور بأنه لا يوجد بديل عنه، لكنه عاد وأدرك في الأيام الاخيرة أن هذه الحملة لم تحقق المرجو منها فاستنفر كل قدراته في ضوء التقدير بوجود خطر جدي بتراجع ملحوظ في قوة «الليكود». من أجل ذلك، أجرى سلسلة من المقابلات مع جميع محطات الاذاعة والتلفزيون في كل ساعات اليوم، وخاطب من خلالها الجمهور مسوِّقاً لزعامته.
وحذر نتنياهو في سياق حملته أيضاً، من أن تعتمد حكومة اليسار على أصوات المواطنين العرب، وراهن من خلال ذلك على إخافة الكثير من الناخبين من احتمال ألا يتم انتخابه مجدّداً، ووصل به الحد إلى القول أن هناك عملية تشهير شاملة ضده بتمويل أميركي، في محاولة لتأجيج المشاعر القومية لدى الجمهور اليميني. وبلغ التحريض ذروته عندما تحدث نتنياهو يوم الانتخابات عن اقبال كثيف للفلسطينيين باتجاه صناديق الاقتراع والحديث عن حافلات تقلهم إلى صناديق الاقتراع، محذراً من إمكانية سقوط معسكر اليمين عن الحكم. ولم يتورع نتنياهو عن استخدام كافة الوسائل بما فيها «الكذب والقاء التهم الكاذبة والتمادي في وسائل الاعلام واثارة الغرائز» ، كما ذكرت صحيفة «يديعوت آحرونوت». وبدا نتنياهو من خلال اللاءات التي رفعها عشية الانتخابات، لا عودة لخطوط الـ 67 ، ولا انسحاب ولا تقسيم القدس، أنه يخاطب الجمهور اليميني المتشدد. وهو ما ظهر في النتائج التي حققها وأتت على حساب أحزاب أخرى من داخل معسكر اليمين نفسه، وتحديداً على حساب «البيت اليهودي»، اليميني المتطرف، الذي تراجع من 12 مقعداً، في الكنيست الحالي، إلى 8 مقاعد، و«إسرائيل بيتنا» الذي تراجع من 13 مقعداً في الكنيست الحالي إلى 6 مقاعد.
على هذه الخلفية، تحدثت تقارير إعلامية إسرائيلية بأن نتنياهو تمكن خلال ثلاثة أيام من تعديل الكفة من التراجع إلى تحقيق تقدم بارز على منافسيه. وهو ما اعتبر انتصار لشخص نتنياهو وليس لحزب «الليكود».
في ضوء موازين القوى في الكنيست الجديد، التي أظهرتها النتائج غير الرسمية، يمكن عرض مروحة من الخيارات النظرية إزاء مسار تشكيل الحكومة. لكن بعد المواقف التي أعلنتها بعض الأطراف الأساسية، وتحديداً نتنياهو ورئيس حزب «العمل» يتسحاق هرتسوغ حول استبعاد حكومة الوحدة الوطنية، بات واضحًا بأن نتنياهو سيعمد إلى تشكيل حكومة يمينية قومية، تتكون من «الليكود» و«البيت اليهودي» و«إسرائيل بيتنا» والأحزاب الحريدية. لكن هذه الأحزاب تشكل سوياً 57 عضو في الكنيست، الأمر الذي سيجعل نتنياهو أسير رئيس حزب «كولانو» موشيه كحلون الذي سيحاول انتزاع تنازلات وضمانات حول برنامجه الاقتصادي، مع الإشارة إلى أن الأخير يعتبر جزء من معسكر اليمين السياسي.
مع أن حكومة الوحدة قد تصب في مصلحة نتنياهو، لجهة أنها تمنحه هامشاً واسعاً في مواجهة عمليات الابتزاز من قبل الأطراف الأخرى، وتوفر له أرضية صلبة للاستقرار الحكومي، لكن لاعتبارات متعددة لا يستطع نتنياهو في المرحلة الحالية سلوك هذا المسار، خاصة وأنه جذب أصوات اليمين المتطرف على قاعدة لاءات سياسية متشددة، تتعارض مع أي توجه لتشكيل حكومة تضم «المعسكر الصهيوني» على الأقل كخيار ابتدائي.
وبالتالي فإن تشكيل حكومة يمينية، هو الخيار الأول والأساسي الذي سيسعى إلى تحقيقه تنفيذاً لوعوده، وإذا ما بالغ الآخرون في عمليات الابتزاز وتعثرت مساعي تشكيل مثل هذه الحكومة قد تتوفر له شرعية ما، أمام جمهور ناخبيه، للتلويح بخيار تشكيل حكومة وحدة، مع التأكيد على أن يتسحاق هرتسوغ أعلن عن خياره بالبقاء في المعارضة.
في كل الأحوال، وبعيداً عن المناورات التي قد يلجأ إليها هذا الطرف السياسي أو ذاك، كجزء من اللعبة السياسية الداخلية في تشكيل الحكومة، تبقى حقيقة أن سيف الوقت يبقى مسلطاً على جميع الأطراف وسيفرض عليهم قهراً التوصل إلى اتفاق، خاصة وأن المدى الزمني الأقصى المسموح به لتشكيل الحكومة، هو 70 يوماً، وإلا يتم العودة إلى الانتخابات من جديد، وهو أمر لم يحصل في تاريخ إسرائيل من قبل.




يبقى أن المواقف وعمليات التحريض التي مارسها نتنياهو، خلال الحملة الانتخابية، تنطوي على أبعاد منها ما يتصل بالواقع الداخلي الإسرائيلي وأخرى بالعلاقات مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. حول ذلك، لفتت صحيفة «هآرتس» إلى أن نتنياهو «أحرق الجسور مع الأقلية العربية، من خلال الكلمات العنصرية (التي استخدمها بحقهم)، والتي كان يرددها. وأحرق السفن المتعثرة التي تقوم عليها علاقات إسرائيل مع المجتمع الدولي بشكل عام، ومع الادارة الأميركية بشكل خاص، عندما تنكر فجأة من خطاب بار ايلان ومن التزاماته المبدئية على الأقل، لاقامة دولة فلسطينية».
في كل الأحوال، ذكرت القناة العاشرة أن النتائج النهائية، غير الرسمية، تمثلت بحصول «الليكود» على 29 مقعداً، مقابل 24 مقعداً لـ «المعسكر الصهيوني»، فيما ارتفعت مقاعد «القائمة العربية المشتركة» لتصل إلى 14 مقعدا، وحصل «يوجد مستقبل» على 11 مقعداً، و«كولانو» 10 مقاعد، و«البيت اليهودي» على 8 مقاعد و«شاس» على 7 و«يهدوت هتوراة» الحريدي على 7 مقاعد أيضاً، فيما نال «إسرائيل بيتنا» على 6 مقاعد، وتراجعت «ميرتس» إلى 4 مقاعد، ولم يتجاوز حزب «ياحاد» الذي يترأسه إيلي يشاي نسبة الحسم.