غزة | من الواضح أن حركة «حماس» أتمّت إجراءات «التبرّؤ» من اتفاق المصالحة الداخلية، بعدما نظّمت مؤتمراً علنياً أسندت فيه تهماً إلى شخصيات محسوبة على «فتح»، وتعمل في الأجهزة الأمنية للسلطة، بالتخابر ضد المقاومة إبّان الحرب على غزة الصيف الماضي، وأيضاً بالمسؤولية عن «التفجيرات» التي وقعت في القطاع مؤخراً. التوقيت الذي اختير لعقد المؤتمر، بالاستناد إلى أن اعتقال المذكورين جرى قبل أسابيع وكذلك الحديث قبل شهر عن تقديم مخابرات رام الله معلومات إلى إسرائيل، هو توقيت مرتبط بصورة وثيقة بالتغيرات الجارية في المناخ السياسي الخارجي للحركة.

وهذا ليس ضرباً من التحليل، بل هو ما عبّر عنه القيادي في «حماس» محمود الزهار، بعد يوم من المؤتمر، إذ قال إن «التغييرات الإقليمية الجديدة التي تشهدها المنطقة ستكون في مصلحة القضية الفلسطينية والمقاومة»، الأمر الذي يُفهم منه سبب «قوّة عود» الحركة من جديد ضد رام الله.
بذلك يأتي المؤتمر الصحافي الذي عرضت فيه وزارة الداخلية في غزة، أول من أمس، تسجيلات لأشخاص كانوا قد تلقّوا تعليمات بضرورة تتبّع عناصر المقاومة، كصفعة لحكومة الوفاق التي يقودها رامي الحمدالله، على اعتبار أن هؤلاء المتهمين محسوبون على أجهزته الأمنية.
الزهار: التقارب الإقليمي
الجديد في مصلحة المقاومة... ومشعل سيزور الرياض

وإذ لا يجوز قراءة المشهد بعيداً عن المتغيرات الإقليمية التي تتطلع «حماس» إلى أن تكون جزءاً منها بما يضمن رفعاً للحصار وفتح متنفس لها، فإن التدقيق في حديث الزهار يقود إلى فهم أن الحركة قررت العودة إلى «لعبة المحاور» من باب واسع، وأن كل ما حُكي عن مراجعات داخلية والنأي بالذات عن المنطقة ذهب أدراج الرياح.
الزهار أكد، أولاً، أن زيارة لخالد مشعل للرياض هي قضية وقت بعد «دعوة ووعد باللقاء» من المملكة. وأضاف: «السعودية تقود الخليج، وهي دولة عظمى في المنطقة، والآن تسعى بسبب التغيرات السياسية وسيطرة الحوثيين على اليمن إلى علاقة جيدة مع حماس... لنعتبر أنه لا توجد دعوة لكن هناك نية للحركة بالتوجه للسعودية».
وبشأن مصر، قال القيادي الحمساوي: «نتطلّع إلى بناء علاقة جيدة مع النظام المصري أياً كانت توجّهاته»، مستدركاً: «سنرد على أي هجوم من الجيش المصري على غزة، وفق حجم الاعتداء، فنحن الآن لسنا في مرحلة رفاهية الاختيار». أما عن «الطلاق مع فتح»، فرأى الزهار أن «فتح المتمثلة في الرئيس (محمود) عباس تحاصر غزة وتتعمّد تأخير الإعمار»، في وقت لا يعارض فيه «الاحتلال الإسرائيلي إعمار غزة ودخول مواد البناء... بل بدؤوا (الإسرائيليين) توسيع معبر كرم أبو سالم لدخول مواد البناء»، في إشارة إلى الاتفاق القطري ـ الإسرائيلي لإعمار القطاع.
إلى جانب الزهار، بدأت تتعالى أصوات «حماس» تجاه السلطة، إذ قال عضو المكتب السياسي للحركة موسى أبو مرزوق، في أعقاب مؤتمر «الداخلية»، إن «حوارات المصالحة وتطبيق ما تم الاتفاق عليه والمسؤولية الوطنية تقتضي سلوكاً آخر».
ومما لا شك فيه أن هذا التعالي في لغة الخطاب يعطي مؤشراً واضحاً على «حالة النشوة» التي بدأت تسري في الجسد الحمساوي، في ضوء التفاؤل بالتقارب «السنّي» بين السعودية ومصر وقطر وتركيا، ضد ما يسمى «المدّ الإيراني»، إذ تقدر الحركة أن من الممكن أن يفكّك دخولها في التحالف حالة العزلة المفروض عليها.
يكشف مسؤول سياسي حمساوي لـ«الأخبار» أن حركته قررت أن تتوسع في علاقاتها الدولية لتفكيك العزلة عليها، وخصوصاً بعد عزل «الإخوان المسلمين» في مصر، مؤكداً أنه لا يمكن للأطراف الدولية تخطّي «حماس» بصفتها «رقماً صعباً» في الحالة الفلسطينية. وأكد المصدر، الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه، أن حركته لا تزال تنتظر نضوج ما يجري في المنطقة، مع أنه يشدد على أن «حماس» لن تخشى فتح جبهة جديدة ضد إسرائيل إذ لم يُثبت اتفاق وقف النار.
وفي إطار ما كشفته قيادات في «حماس» لوسائل الإعلام، عن اتصالات تجرى مع دول أوروبية مختلفة، فإن الحركة تفتح طريقاً غير مسبوقة في الناحية السياسية، بعد حالة «اللاإنجاز» جراء الحرب الأخيرة، وخاصة أن «التشديد» على إقامة ميناء ومطار مقابل وقف الحرب لم يؤت أكله. ورغم أن «حماس» غير واثقة من نتائج مخاض المرحلة إلى الآن، فإن بثّها «اعترافات تفريغات 2005» للرأي العام مع ما حمله ذلك من معارضة إعلامية للتعميم، لا يعني في هذه اللحظة إلا إعلان «إدارة الظهر» لـ«فتح» التي تعيش شرخاً عميقاً بين تيارين منفصلين (محمود عباس، محمد دحلان).
مع ذلك، يؤكد مصدر أمني في غزة أن إعلان هذه التسجيلات «كان ضرورياً لفضح الأطراف التي تحاول العبث في أمن غزة»، نافياً أن يكون توقيت الإعلان غير مناسب. وقال المصدر إن غزة تعاني حالة اضطراب أمني، مضيفاً: «بعد التحري تبين أن هناك أطرافاً في السلطة معنية بإثارة القلاقل». وحينما سُئل عن التفجيرات الـ15 المتزامنة التي استهدفت قيادات «فتح في القطاع قبل محاولة إحياء ذكرى الرئيس الراحل ياسر عرفات، وعن الجهة التي تقف خلفها باعتبارها حلقة الوصل الكبرى للقلق الأمني الجاري، لم يبد المصدر أيّ رد، علماً بأن الاعترافات للذين ظهروا في المؤتمر لم تعرج على ذكر ذلك الحدث الكبير، واكتفت بالحديث عن إحراق سيارات وإيصال معلومات.
في المقابل، ردّت «فتح» بحالة من العشوائية عبر أكثر من متحدث باسمها، واصفة ما كشفت عنه «حماس» بأنه «أكاذيب»... وأن الأخيرة «تحكم غزة بالحديد والنار».