تلهو بنا أدوات الحرب، تلهو بنا كل الاتفاقيات والحواجز والتفنن بالحصار اللئيم، لكن وسط كل هذه الأشياء المروعة، هناك تربة في داخل كل منا تسمح لبذور المحبة بأن تنمو، وخلف هذا الدمار وهذا الحصار تزهر نسمات المحبين، فالأشياء الجميلة كالمحبة، تولد من دواخلنا، وهي من النعم التي زودنا بها خالقنا.
فهنا خلف أحد الأبواب المفتوحة، تتلو إحداهن أدعية الحفظ والسلامة لرفيق دربها الحاضر الغائب في ثقل حصار المخيم، وتعلق في السماء أملها في لقائه القريب.
وهناك خلف أحد الأبواب الموصدة من تغزل أحلام أطفالها وشاحاً تلفّ به برودة جدران البيت من دون وجوده، في كل ليلة تعتصر قلبها بدمع حارق، تشربه بصمت وتنام عليه، تترقب دمار الحواجز كل يوم وعودته لبيته ولأطفاله ولها، ليحمي ظهرها خشية أن يسلخه الحصار.
فاتنة في زهو عمرها تزينت وأشعلت نار اشتياقها في كل مرة تدخل فيه الوفود للمخيم، تتابعت الوفود وثابرت هي على الانتظار.
أسندت أمانيها لحائط الأمل في لقاء ينتظر اكتمالها ولو بعد حين. إذاً، هنا فوق كل هذا الدمار يلبس المحبون ثوب الانتظار، انتظار فك الحصار، انتظار دخول البعض، انتظار الخروج، انتظار السفر، ويكلل رؤوسهم ضجيج الأفكار والاحتمالات التي لا تنتهي.
والحكاية هنا تكاد لا تنتهي. لأن حبل الانتظار طويل طويل، ولا نبوءات صادقة عمّا سيؤول إليه، قد تنتهي الحكاية بأن تلقاه أو تلقاها الشهادة قبل أن يكلل اللقاء بينهما الحب والأماني الصابرة، فيكللا بالانعتاق من الحياة والانتظار. أو ربما.. ربما..