الجزائر | اختُتمت جولة الحوار الليبي ــ الليبي في الجزائر، فيما تستمر التفجيرات والأعمال المسلّحة في داخل البلاد، ما يشير إلى أن حلّ الأزمة ليس بقريب، وأن ما جرى التوصل إليه، سواء في الجزائر أو في المغرب أو جنيف وقريباً في بروكسل، لم ولن يفضي إلى أي تقدّم يمكن أن يحقن الدماء.ومع تعدد جولات الحوار واختلاف مكان انعقادها، يتأكد أن المسألة الليبية باتت لدى بعض الدول وسيلة لاستظهار أحقّيتها وقدرتها كقوة إقليمية على قيادة شمال أفريقيا، وهذا الأمر يبدو جلياً بين الجزائر والمغرب، فيما تبدو ليبيا بالنسبة إلى دول أخرى مطيّة من أجل الحصول على استفادات وتحقيق مصالح اقتصادية، ومن هذه الدول بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة. وكل ذلك ينتج في النهاية صراعاً يستفيد منه الجميع ويدفع ثمنه الشعب الليبي، فيما يتمدّد الإرهاب من خلاله.

احتضنت الجزائر جلسات الحوار الليبي، على مدى يومين، لتفترق بعدها الأطراف من دون جدوى، ما يفتح المجال أمام التساؤل عن حقيقة وجدية الحوار. مع ذلك، كشف حوار الجزائر الأخير عن بعض الخفايا، فهناك اجتمعت غالبية رؤوس الإرهاب بقيادة زعيم الجماعة المقاتلة سابقاً، عبد الحكيم بلحاج، إضافة إلى الإسلاميين بزعامة محمد صوان، الأمر الذي انتقدته عدة أطراف ليبية، على اعتبار أن الشخصيتين لا تملكان من التأييد الشعبي، وبالتالي يصبح وجودهما في الاجتماع غير شرعي.
وفي السياق، تجدر الإشارة إلى أن حزب عبد الحكيم بلحاج حصل على مقعد واحد في الانتخابات التي أفرزت برلمان طبرق، فيما يُتهم محمد صوان بالولاء لدولتي قطر وتركيا، إضافة إلى اعتباره أحد رؤوس الفتنة في ليبيا، بسبب مسؤوليته عن إحضار السلاح والمقاتلين لمصلحة الجماعات الإسلامية المتطرفة. وعن هذه النقطة، يوضح مصدر جزائري في وزارة الخارجية لـ«الأخبار»، أنه «دُعيت أهم الشخصيات التي يمكنها الإسهام في إنهاء الأزمة الليبية، على أعتبار أنها تصنع الحدث ولها علاقة بالأوضاع»، ويؤكد أيضاً أن «الحديث عن الاهتمام بالإسلاميين على حساب الديموقراطيين لا أساس له من الصحة». ويقول المصدر إن «ما يهمنا هو استقرار ليبيا»، مشيراً إلى أن الإشارة إلى وجود إرهابيين ضمن جلسات الحوار «غير مقبولة، لأنه جرى تحييد كلّ الجماعات التي صنّفت إرهابية».
مع ذلك، يكشف حضور الإسلاميين في حوار الجزائر، بشكل لافت، والمشاركة القوية لأعضاء المؤتمر الليبي المنتهية ولايته، في جلسات الحوار في المغرب، عن أن معركة بين الأجهزة الاستخبارية الجزائرية والمغربية تدور رحاها على خلفية السيطرة على كيفية توجيه حلّ الأزمة الليبية.
وبناءً على تصريحات من شاركوا في حوار الجزائر، يمكن الاستنتاج أن ما يُقام به ليس من أجل ليبيا، بل صراع بين المغرب والجزائر للهيمنة على المنطقة، حيث قال رئيس المجلس الانتقالي الليبي سابقاً، عبد الحفيظ غوقة، إن القادة السياسيين الذين شاركوا في جولة حوار الجزائر، اقترحوا جدولاً زمنياً من ستة أشهر لإنهاء المرحلة الانتقالية، عبر تشكيل حكومة توافق ووضع دستور جديد وجمع السلاح، لكنّ الأمم المتحدة اقترحت سنتين، وهي مدّة طويلة جداً، ما يعني وجود ضغوط من أجل أهداف معيّنة، فمن غير المعقول تحديد فترة انتقالية لسنتين في ظل الأوضاع التي تعيشها ليبيا.
وعلى هذا الصعيد، أكد رئيس «حزب التغيير» الليبي، جمعة القماطي، أن «هناك معضلة تعرقل الحلّ في ليبيا، وهي ازدواجية الشرعية البرلمانية». وقال: «لا نريد أن يستمر الوضع على ما هو عليه، ونأمل من الأطراف الرئيسية أن تحسم الأمر في أقرب وقت».
علاوة على ذلك، يرى البعض من أمثال القيادي في «تحالف القوى الوطنية»، خالد بوزنين، أن المشاركين في حوار الجزائر لم يشددوا على احترام ما اتفقوا عليه، مشيراً إلى أن «الدليل على ذلك أنهم لم يؤكدوا الشرعية التي اختارها الشعب الليبي في انتخابه لمجلس النواب الذي يعتبر الممثل الوحيد للشعب الليبي باعتراف دولي». كذلك، قال بوزنين لـ«الأخبار»، إنه «لم يجرِ التأكيد على الجيش ودعمه ضد قضايا ومشاكل الإرهاب، التي يواجهها وحده بأقل الإمكانات، أمام مرأى ومسمع كل دول العالم».
وزيرة الصحة الليبية السابقة، فاطمة الحمروش، اعتبرت أن ما جرى التوصل إليه في الجزائر «حبر على ورق»، لكنها قالت إنها «محاولة لإظهار نيات طيبة، فلا يوجد فشل كامل أو نجاح كامل في مثل هذه الأمور». وفي الوقت ذاته، أكدت لـ«الأخبار» أنه «كان هناك نجاح في بعض الجوانب»، مشيرة إلى أن «حوار الجزائر ينقصه اثنان ليكتمل هما (القيادي الإسلامي) علي الصلابي، و(زعيم حزب القمّة) عبدالله ناكر (الزنتاني)».
وخلصت فاطمة الحمروش إلى أن ما يجري في هذه الحوارات يكشف عن محاولات الالتفاف على خيارات الشعب الليبي، لافتة الانتباه إلى أن الاقتراحات المطروحة في كل جلسات الحوار «تعيد الإخوان إلى الحكومة بشكل غير ديموقراطي». وأوضحت أن «الحوار يمكن أن ينجح، شرط ألا يكون بأسلوب ليّ الذراع وقانون القوة، فالإرهاب والفوضى لا يُعالجان بالتسليم لمن يرعون الإرهاب ويثيرون الفوضى».
في السياق ذاته، صرّح وزير الخارجية الجزائري، رمطان لعمامرة، بأن «الجزائر لا تتعامل مع الحكومات، بل مع الدول»، في إشارة واضحة إلى الذين انتقدوا مشاركة بعض الشخصيات المشبوهة الحوار.
ورداً على ذلك، قال مصدر في وزارة الخارجية لـ«الأخبار»، إن «الأهم من ذلك كله في الوقت الحالي هو وقف الاقتتال وفتح المجال للعمل السياسي السلمي»، مشدداً على أن «جلسات الجزائر والمغرب وجنيف وقريباً بروكسل، هي حلقات متواصلة ومستمرة وليست منقطعة أو معزولة، فكلها تجري تحت إشراف الأمم المتحدة».
في هذه الأثناء (وكالات)، أبلغ المبعوث الأممي من أجل الدعم في ليبيا، برناردينو ليون، الأطراف الليبية بتأجيل المشاورات التي تحتضنها الرباط، حتى الأربعاء المقبل، بحسب ما أفاد عضو من برلمان طبرق أمس.
وقال محمد الشريف الوافي عن برلمان طبرق، الذي تعترف به المجموعة الدولية: «اليوم اختُتمت جلسة الحوار الثانية في الصخيرات، وحُدِّدت الجلسة المقبلة الأربعاء في آخر النهار هنا في المغرب».
وأضاف الوافي: «نحن ننتظر أعضاء مجلس النواب لإحضار مقترحاتهم ومزيد من الدعم الفني معهم، وسيعودون إلى المغرب يوم الأربعاء صباحاً».
من جهته، صرح برناردينو ليون للصحافة بأن «البعثات كلها تشتغل على الأوراق المقدمة»، موضحاً أن أعضاء برلمان طبرق «أضافوا أعضاءً جدداً إلى وفدهم والمعلومات التي لدينا أنهم في الطريق إلى هنا للانضمام إلينا».
وأضاف ليون أنه تقرر التأجيل «بالتشاور مع جميع الأطراف لإعطاء مزيد من الوقت لأعضاء برلمان طبرق».
وكان ليون قد اجتمع، صباح أمس، مع أعضاء من برلمان طبرق، والتقى أعضاء المؤتمر الوطني الليبي العام في المساء.
وقال عضو وفد المؤتمر الوطني العام، عمر حميدان، إن وفده طالب المبعوث الأممي بتقديم توضيحات مكتوبة بشأن تعيين خليفة حفتر قائداً عاماً للجيش الليبي من طرف برلمان طبرق.
في سياق متصل، استبعد خليفة حفتر الدخول في حوار مع المليشيات المسلحة المتصارعة على الأراضي الليبية، مؤكداً أنه يعتزم مواصلة خوض غمار معارك عسكرية لتخليص البلاد ممن وصفهم بـ«الأعداء»، واعداً بالقضاء على التشكيلات الخارجة عن القانون في مدينة بنغازي في غضون شهر.
وفي حوار مع وكالة «سبوتنيك» الروسية، دعا حفتر الدول الصديقة إلى مساندة الجهود الحالية لإيجاد جيش واحد وجهاز شرطة واحد، أملاً في إحلال الاستقرار في البلاد.
وأشار حفتر إلى أنه لن يعوّل على الحوار السياسي الدائر في البلاد «لأن هناك تناقضات على الأرض تخلقها المليشيات المسلّحة تتعارض مع حقيقة وجود مجلس تشريعي منوط به تشريع القوانين المعمول بها في البلاد، فضلاً عن توافر قوة نظامية قادرة على الحسم». وقال: «لا يوجد طرف يمكن التحاور معه»، متسائلاً: «هل يمكن الجيش أن يتحاور مع ميليشيات خارجة عن القانون»، ليجيب: «لا أعتقد ذلك».